"تاريخكم": استعادة التراث بمنأى عن الجدل

23 ابريل 2020
(من رسومات يحيى الواسطي في مقال عنه على الموقع)
+ الخط -
ما الذي يعنيه إنشاء موقع إلكتروني مهتمّ بالتاريخ العربي الإسلامي اليوم؟ سؤال تفرضه زاوية النظر إلى الماضي وطبيعة تناوله والمتلقي الذي تستهدفه هذه المراجعات، ومدى اشتباكها مع اللحظة الراهنة والمقبلة أيضاً، وكيف يمكن ضبط المادة التاريخية التي تقدّمها مقالات صحافية أو دراسات عير متخصّصة في حقل معرفي شائك ومعقد؟

تحضر هذه التساؤلات وغيرها مع إطلاق موقع "تاريخكم" بداية الشهر الماضي، الذي "يضيء أبرز الشخصيات والأحداث والمنجزات التي شهدها مسار الحضارة العربية الإسلامية"، كما أعلن القائمون عليه، ومن المقرر أن تُدّشن له نافذة باللغة الإنكليزية بعد عدّة أشهر.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، أوضح الكاتب والصحافي علي القيسية، مؤسس ومدير الموقع، أن وجود فجوة بين الأجيال الجديدة وبين تراثنا العربي دفع إلى تأسيس هذه المنصّة، إذ أصبح لديها اعتقاد أننا أمة لا ينبغي لها الارتباط بتاريخها، ونشر التوعية بجوانب كثيرة من هذا التاريخ تمّت التعمية عليها من خلال دور المستشرقين وحالة التجهيل التي وصلنا إليها بسبب الاستعمار، واستعادة إنجازات العرب والمسلمين بشكل موضوعي من دون تضخيمها، التي هي بلا شك عظيمة وساهمت في ارتقاء البشرية في وقت كان الغرب لا يزال يعيش مرحلة سبات.

وأشار إلى أن رموز الحضارة الإسلامية ليسوا شخصيات فقهية فقط كما تصوّره المخيّلة الشعبية الاجتماعية والدينية، فبقدر أعداد الفقهاء الذين يقدّرون بالآلاف هناك علماء وفلاسفة كان لهم مساهمة بارزة في تحويل مسار البشرية في القرون الأخيرة الماضية، ومنهم على سبيل المثال، بديع الزمان الجزري (1136-1206) الذي اخترع "روبوت" يؤدي مهامّ عدة، ما يعبّر عن تقدّم على عصره بزمن طويل.

ويرى القيسية أن التطور العلمي عند العرب والمسلمين نتج عن حاضنة سياسية حيث الدولة كانت تحفّز وتدعم العالم والفيلسوف حتى تحافظ على مكانتها وتقدّمها، وعن تقدير اجتماعي كبير حيث كان يطلق على العلماء ألقاب من باب التبجيل والاحترام مثل شمس الدين الذهبي وشرف الدين الطوسي وبديع الزمان الهمذاني.

يعكس الموقع هذه الرؤية من خلال تقديم معلومات أساسية تندرج ضمن الثقافة العامة لأن هناك أميّة ثقافية ومعرفية بالتاريخ العربي الإسلامي، وجزء منه يركّز على المنجزات الدقيقة التي قام بها العلماء في علومهم المتخصّصة، وعندما تبحث عن ترجمة لسيرهم وأعمالهم في المصادر العربية تجدها نادرة.

المشروع الذي وُلد مبادرة شخصية لا تهدف إلى الربح، بحسب القيسية، يسعى إلى إشاعة الثقافة والمعرفة في التاريخ، ويعمل فيه بشكل تطوّعي خمسة عشر كاتباً من بلدان عربية متعدّدة، وتجمع المواد المنشورة بين المقالات المكتوبة والإنفوغرافيكس الذي يتضمّن محتوى قريباً من الأجيال الشابة، آملاً أن يصبح الموقع في المستقبل مرجعاً يُوثق به من قِبل الباحثين عن الأحداث والمفاصل والشخصيات التي شهدها التاريخ العربي الإسلامي، ويقيم شراكات مع المدارس والجامعات من أجل تبادل المعرفة.

نقع على مقال ضمن المواد المنشورة حديثاً على الموقع بعنوان "ما طبيعة التعاملات المالية في جزيرة العرب قبل الإسلام؟"، رتّبت أجزاؤه على غرار الأسلوب الذي تتبعه "ويكيبديا" من أجل تبسيط عرضها، لكن محتواه أكثر عمقاً ويستند إلى أكثر من مرجع مثل الجزء السابع من كتاب "المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام" للمؤرّخ جواد علي، ومقال ثان تُرجم عن موقع https://www.aramcoworld.com/Home حول دار الحكمة في القاهرة، وثالث حول زرقاء اليمامة يستند إلى مصادر عديدة منها "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري، و"المختصر في أخبار البشر" لأبي الفداء.

وتنقسم الأبواب الرئيسية إلى: "أعلام" ويشمل شخصيات متخصّصة في اللغة والنحو والسياسة والفقه وخلافها؛ و"علماء وفلاسفة" ويضمّ شخصيات اتسمت بالموسوعية أو انفردت في حقل علمي محدّد؛ و"نوادر العرب" وفيه قصص ومرويات من العهد الجاهلي ووصولاً إلى عصور متأخرة وتركّز على الحكمة وليس الطرافة؛ و"اختراعات وآثار" وفيه قصص صحافية حول العديد من المواقع والأوابد التاريخية في العالم الإسلامي؛ و"مخطوطات" وفيه وثائق متوفّرة في المتاحف والمكتبات العالمية؛ و"معلومات تاريخية"؛ و"إنفوغرافيكس"، مع اهتمام بنشر صور موثقة في شروحاتها ومصدرها.

يبيّن القيسية أن المواقع الإلكترونية التي تُعنى بالتاريخ تعتمد على الكم الهائل من النصوص الطويلة التي لا تُنشر بأسلوب حديث ومبتكر، التي ينصرف عنها كثير من الأجيال الجديدة، كما أن معظم تلك المواقع تتخصّص في جانب معين، خلافاً لـ"تاريخكم" الذي يجمع بين مجالات تاريخية متنوّعة، موضحاً أن ضبط المادة التاريخية يتمّ من خلال تعدّد المصادر في تناول شخصية أو حدث معيّن، والابتعاد عن أيّ جدال طائفي أو مذهبي أو عرقي، بحثاً عن القواسم المشتركة التي تجمع أبناء المنطقة على اختلافاتهم الثقافية والدينية، من أجل استعادة مكانتهم ودورهم الحضاري.

المساهمون