"بي بي سي"... أزمة تمويل أم سياسة؟

19 فبراير 2020
توقيف برامج وإلغاء وظائف (بيتر ساميرز/Getty)
+ الخط -
تمرّ هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في واحدة من أحلك أزماتها، بعد أن أطلقت حكومة بوريس جونسون تحقيقاً في عمل الهيئة وتمويلها، وسط دعوات حكومية إلى إسقاط الضريبة السنوية التي يدفعها متابعو "بي بي سي" وتعدّ من مصادر الدخل الرئيسية.

تخوض الهيئة معركة البقاء، إذ أعلنت عن سلسلة من الإجراءات المزمع اتخاذها حول توقيف برامج وإلغاء أكثر من 400 وظيفة، في ظلّ معارك قضائيّة ضدّها بسبب التمييز الجندري في الأجور. وكان المدير العام للهيئة، توني هول، قد أعلن عن استقالته في يناير/كانون الثاني الماضي، خلال ستة أشهر، بعد سبع سنوات قضاها في منصبه.

وكان عدد من نواب حزب المحافظين الحاكم قد دعوا رئاسة الوزراء، يوم الإثنين الماضي، إلى الكف عن مهاجمة "بي بي سي" واصفين هجومها على هيئة الاذاعة بـ"التخريب الثقافي" المدفوع "بالأجندات الشخصية". وكانت صحيفة "تايمز" البريطانية قد نقلت عن مصادرها أن الحكومة تسعى لفرض نظام اشتراك شبيه بـ"نتفليكس" على "بي بي سي". ويشمل المشروع الحكومي، وفقاً للصحيفة، بيع أغلبية الإذاعات التي تمتلكها الهيئة والبالغ عددها 61 إذاعة راديو، لتبقي على المحطتين الثالثة والرابعة.

أما المحطات التلفزيونية فستشهد إغلاق العديد منها، وتخفيض حجم موقع "بي بي سي" الإلكتروني. ورغم نفي رئاسة الوزراء لهذه الخطط، إلا أنها تنظر في إلغاء الضريبة السنوية التي تعرف باسم "رخصة التلفاز" والتي تمول "بي بي سي" أنشتطها منها. وتعدّ متابعة البث المباشر على التلفاز، أو متابعة قنوات ومحطات "بي بي سي" على الإنترنت، من دون الرخصة، جريمة يعاقب عليها القانون. وترغب حكومة جونسون في إلغاء هذا الوضع بحلول عام 2027، عندما ينتهي مفعول المرسوم الملكي الخاص به.

وتأتي هذه الهجمة الحكومية على "بي بي سي" بعد الانتقادات التي وجّهها حزب المحافظين لتغطيتها للانتخابات العامة التي جرت نهاية العام الماضي. وشهدت العلاقة بين "بي بي سي" وبوريس جونسون تدهوراً خاصاً حيث رفض الظهور على شاشتها. ومما يزيد الضغوط عليها إعفاء من تجاوزوا 75 عاماً من "رخصة التلفاز" وهو ما أحدث عجزاً بقيمة 250 مليون جنيه استرليني في ميزانيتها.

كما أن التحول في البث الرقمي والذي شهد صعود منصات مثل "نتفليكس" و"أمازون برايم" يزيد من الضغوط المفروضة على "بي بي سي" لتحديث طبيعة عملها ومصادر تمويلها. وتحصل "بي بي سي" على 75 في المائة من تمويلها البالغ 3.69 مليارات جنيه من رخصة التلفاز. أما ما تبقى فيأتي من المبيعات التجارية والرخص القادمة من خارج بريطانيا. وتبلغ قيمة رخصة التلفاز 154.5 جنيها سنوياً (أي 206 دولارات أميركية).



وتتعذر الحكومة البريطانية بأن المشهد الإذاعي تحول كثيراً، وحذرت "بي بي سي" من احتمال الإفلاس الذي أصاب شركة تأجير تسجيلات الأفلام "بلوكباستر" والتي فشلت في التأقلم مع نموذج "نتفليكس". وكانت وزيرة الإعلام والثقافة، نيكي مورغان التي فقدت منصبها خلال التعديل الحكومي نهاية الأسبوع الماضي، قد قالت "يعرف الأطفال اسم نتفليكس ويوتيوب أكثر مما يعرفون بي بي سي، ويجب على بي بي سي أن تكون واعية لهذه الحقيقة. بكل بساطة فإن العالم الذي خلقت فيه بي بي سي، والذي شهد فرض رخصة التلفاز، قد تغير من دون رجعة".
ولكن يوجد قلق من أن تحول طريقة عمل "بي بي سي" قد يؤدي إلى هيئة مختلفة كلياً، حيث سيكون عدد البرامج أقل، والاستثمار أقل في القطاعات الإبداعية، إضافةً إلى تراجع المحتوى المحلي. وتعدّ "بي بي سي" أحد أكبر المستثمرين عالمياً في المحتوى التلفزيوني، وأنتجت العديد من المواد التلفزيونية الخاصة بها وذات المتابعة العالمية. كما أن المحطات الإذاعية المختلفة لـ"بي بي سي" تبثّ برامج متنوعة تتناسب مع المناطق الجغرافية التي تبث فيها. بالتالي فإن تراجع التمويل سيؤدي إلى تراجع هذا التنوع في البرامج. كما يجادل البعض بأن انتشار "بي بي سي" يلعب دوراً في دبلوماسية بريطانيا خارج حدودها، وأن تراجع انتشارها سينعكس سلباً دبلوماسياً على بريطانيا.

كما أن النقاش الدائر حول "بي بي سي" يمتدّ إلى توجهها السياسي بشكل عام، والذي قاد إلى صدام بينها وبين جونسون خلال الانتخابات العامة. وكان جونسون قد رفض الظهور على "بي بي سي" في مقابلة خاصة خلال الحملات الانتخابية، بينما رفضت "بي بي سي" نشر كلمته يوم بريكست، لأن الحكومة أصرت على تصوير فيديو خاص بها بدلاً من السماح لوسائل الإعلام الدخول إلى دواننغ ستريت. هذا فيما يقاطع الوزراء برامج "بي بي سي" بدعوى انحيازها ضد الحكومة.