03 يوليو 2019
"بوتوكس" في قمة القدس
كنت أتابع، دونما شديد إصغاء، أو حتى قليل تفاؤل، بثاً مباشراً لأعمال مؤتمر القمة العربية الذي استضافته السعودية في مدينة الظهران، يوم الأحد الماضي، حين انتبهت إلى أحد المتحدثين من قادة الأمة المزمنين، وقد بدا لي أقلّ شيخوخة مما عهدته، في صور وفيديوهات تعود إلى أسابيع قليلة سابقة. تمتمت متسائلاً عن سر نضارة تهلُّ فجأةً على رجل في مثل هذه السن، فما كان من زميل سمع تساؤلي، إلا أن بادر مُذكّراً بما سهوت، وهلة، عن ملاحظته؛ "إنه البوتوكس يا عزيزي".
والبوتوكس، لمن لا يعرف، اسم علمي ناتج عن دمج كلمتين، أولاهما "بوتيلينيوم" التي ترمز إلى نوع من البكتيريا، أما ثانيهما فهي "توكسين" التي تعني السموم في لغة اليونانيين القدماء. وقد عُرِفت هذه المادة الكيميائية الحيوية المزدوجة، وبدأ رواجها، منذ نحو عقدين، بوصفها قادرة، لدى حقنها في وجه الإنسان، على أن تشُلَّ عضلاته، لتمنعها من الحركة، وتخفي بذلك علامات التقدّم في العمر، لا سيما ترهل الجبين (أو الجبهة إن شئتم) وتجاعيد المنطقة الممتدة مما دون العينين إلى العنق، مروراً بالوجنتين ومحيط الأنف والشفتين.
هناك طبعاً، استخداماتٌ علاجيةٌ أخرى، متعدّدة، لحُقن البوتوكس، أو السموم الحيوية، ويمكن لمن شاء التزيّد، أن يبحث عنها لدى علّامة الزمان "غوغل"، لكن من دون أن يتوقع العثور على فائدةٍ لها، تتعدى تجميل الشكل، لتصلح بعض الجوهر مثلاً، أو لتعيد بناء ما أفسد الدهر من بنية الجسد، وقدرته على أداء وظائفه، ناهيك عن استحالة أن يستطيع هذا الدواء، وسواه من الاختراعات الطبية، فعل أي شيء، يمنع ترهّل خلايا الدماغ، ويوقف انحسار آفاق التفكير.
مع ذلك، يظل التصرف بالجسد شأناً شخصياً بحتاً، لجأ إليه قادة الدول أو نجوم السينما أو رجال الأعمال. وما كان لمشهد أصحاب الوجوه الطافحة بالبوتوكس في قمة الظهران أن يستدعي التعليق عليه، لولا أنهم قدموا في خطاباتهم وقراراتهم، ما يعكس نوعاً من الوهم ربما، بقدرتهم على استخدام "البوتوكس السياسي" لإخفاء ترهل الجبهات عند تخوم بلدانهم وداخلها، وتجميل، بل تزييف حقيقة الاهتراء الذي تعاني منه أنظمة حكمهم جميعاً.
ألم يطلقوا اسم القدس على قمتهم التي انعقدت، في لحظة تاريخية تتميز أكثر ما تتميز، بتورّط بعض منهم، في تمهيد الطريق أمام صفقة دولية إقليمية، تقودها الإدارة الأميركية، لإنهاء الصراع العربي مع إسرائيل، على حساب القضية الوطنية الفلسطينية، ثم هل يمكن تفسير الجمل الإنشائية الرنانة التي تضمنها البيان الختامي، في شأن مصير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بغير كونها حقنة من البوتوكس، قد تنفع في شلّ أي عضلة تفضح عجزهم، لكنها لن تلغي الحقيقة المروعة القائلة إنهم بلغوا من الضعف والهوان حد أن يدفعوا الجزية لتل أبيب، على شكل اعترافاتٍ بما سموه حق اليهود التاريخي على أرضهم، ولواشنطن، على شكل مئات المليارات من الدولارات، في مقابل أن تسمح العاصمتان لهم بالاحتفاظ بعروشهم؟
قِس على ما سبق، أيضاً، كل الذي تشدّق به المشاركون في قمة القدس من كلامٍ عما يسمونه الأمن القومي، لتعرف أنهم يحاولون عبثاً تجميل حالٍ من الانهيار، كان آخر الأدلة الكثيرة عليها نقل مقر انعقاد مؤتمرهم من الرياض إلى الظهران، حتى يتجنبوا صواريخ مليشيا الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران، بعد ثلاث سنين من حملة عسكرية عاتية عليهم، دمرت اليمن، وبدلاً من أن تحقق هدف إعادة الشرعية إليه، وصل أصحابها إلى الغرق في مستنقعه.
ماذا بعد؟ في وسع البوتوكس أن يشلّ العضلات الفاضحة للشيخوخة، مدة أقصاها ستة أشهر، وحتى في حال تجديده بعد انتهاء مفعوله، فإنه لا يمنع أبداً بلوغ الأجل المحتوم.
والبوتوكس، لمن لا يعرف، اسم علمي ناتج عن دمج كلمتين، أولاهما "بوتيلينيوم" التي ترمز إلى نوع من البكتيريا، أما ثانيهما فهي "توكسين" التي تعني السموم في لغة اليونانيين القدماء. وقد عُرِفت هذه المادة الكيميائية الحيوية المزدوجة، وبدأ رواجها، منذ نحو عقدين، بوصفها قادرة، لدى حقنها في وجه الإنسان، على أن تشُلَّ عضلاته، لتمنعها من الحركة، وتخفي بذلك علامات التقدّم في العمر، لا سيما ترهل الجبين (أو الجبهة إن شئتم) وتجاعيد المنطقة الممتدة مما دون العينين إلى العنق، مروراً بالوجنتين ومحيط الأنف والشفتين.
هناك طبعاً، استخداماتٌ علاجيةٌ أخرى، متعدّدة، لحُقن البوتوكس، أو السموم الحيوية، ويمكن لمن شاء التزيّد، أن يبحث عنها لدى علّامة الزمان "غوغل"، لكن من دون أن يتوقع العثور على فائدةٍ لها، تتعدى تجميل الشكل، لتصلح بعض الجوهر مثلاً، أو لتعيد بناء ما أفسد الدهر من بنية الجسد، وقدرته على أداء وظائفه، ناهيك عن استحالة أن يستطيع هذا الدواء، وسواه من الاختراعات الطبية، فعل أي شيء، يمنع ترهّل خلايا الدماغ، ويوقف انحسار آفاق التفكير.
مع ذلك، يظل التصرف بالجسد شأناً شخصياً بحتاً، لجأ إليه قادة الدول أو نجوم السينما أو رجال الأعمال. وما كان لمشهد أصحاب الوجوه الطافحة بالبوتوكس في قمة الظهران أن يستدعي التعليق عليه، لولا أنهم قدموا في خطاباتهم وقراراتهم، ما يعكس نوعاً من الوهم ربما، بقدرتهم على استخدام "البوتوكس السياسي" لإخفاء ترهل الجبهات عند تخوم بلدانهم وداخلها، وتجميل، بل تزييف حقيقة الاهتراء الذي تعاني منه أنظمة حكمهم جميعاً.
ألم يطلقوا اسم القدس على قمتهم التي انعقدت، في لحظة تاريخية تتميز أكثر ما تتميز، بتورّط بعض منهم، في تمهيد الطريق أمام صفقة دولية إقليمية، تقودها الإدارة الأميركية، لإنهاء الصراع العربي مع إسرائيل، على حساب القضية الوطنية الفلسطينية، ثم هل يمكن تفسير الجمل الإنشائية الرنانة التي تضمنها البيان الختامي، في شأن مصير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بغير كونها حقنة من البوتوكس، قد تنفع في شلّ أي عضلة تفضح عجزهم، لكنها لن تلغي الحقيقة المروعة القائلة إنهم بلغوا من الضعف والهوان حد أن يدفعوا الجزية لتل أبيب، على شكل اعترافاتٍ بما سموه حق اليهود التاريخي على أرضهم، ولواشنطن، على شكل مئات المليارات من الدولارات، في مقابل أن تسمح العاصمتان لهم بالاحتفاظ بعروشهم؟
قِس على ما سبق، أيضاً، كل الذي تشدّق به المشاركون في قمة القدس من كلامٍ عما يسمونه الأمن القومي، لتعرف أنهم يحاولون عبثاً تجميل حالٍ من الانهيار، كان آخر الأدلة الكثيرة عليها نقل مقر انعقاد مؤتمرهم من الرياض إلى الظهران، حتى يتجنبوا صواريخ مليشيا الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران، بعد ثلاث سنين من حملة عسكرية عاتية عليهم، دمرت اليمن، وبدلاً من أن تحقق هدف إعادة الشرعية إليه، وصل أصحابها إلى الغرق في مستنقعه.
ماذا بعد؟ في وسع البوتوكس أن يشلّ العضلات الفاضحة للشيخوخة، مدة أقصاها ستة أشهر، وحتى في حال تجديده بعد انتهاء مفعوله، فإنه لا يمنع أبداً بلوغ الأجل المحتوم.