"بسطة العدل" تنتصر في غزة

28 سبتمبر 2018
يحارب كلّ الظروف (محمد الحجار)
+ الخط -

تحولت قضية شاب من قطاع غزة الفلسطيني المحاصر إلى قضية رأي عام، إذ حطمت البلدية بسطته واحتجزتها، إلى أن رضخت لحملة شعبية تطالب بالعدالة له

أثارت قضية الشاب الغزّي مصطفى صرصور الذي حطمت بلدية غزة بسطته، وهي واجهة زجاجية وخشبية مع بعض التجهيزات البسيطة، يبيع فيها المشروبات الساخنة وغيرها، فيحصل على رزقه منها، عند شاطئ البحر بالقرب من جامعات غزة، الكثير من التعاطف، حتى أطلق عليها البعض لقب "بسطة العدل".

حال صرصور لا تختلف عن الخريجين الذين يقبلون على البيع على بسطات أو عربات في الشوارع والأسواق وعند الشواطئ، لكنّه تعرض للظلم بالرغم من أنّه من المبادرين الناشطين في الأعمال الخيرية في غزة.




مصطفى عبد القادر صرصور (28 عاماً)، خريج من كلية الإعلام، اختصاص الإذاعة والتلفزيون، في جامعة الأقصى بغزة منذ عام 2013. لم يحصل على أيّ فرصة عمل، وتطوع في عدد من المؤسسات المحلية الخيرية والإعلامية، وهو من مؤسسي فريق "ساند" الشبابي الذي ينشط في الأعمال التطوعية لإغاثة بعض العائلات المهمشة، ومساندة المستشفيات في الأزمات الطبية، وما زال فريقه ناشطاً بالرغم من ضعف الموارد.



عمل صرصور متطوعاً مع مؤسسة "فور شباب" العالمية بمكتبها في غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عام 2014 لمساندة الطواقم الطبية في استقبال الإصابات والجرحى، إلى جانب عمله في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين لصالح وكالة أنباء محلية خلال العدوان الأخير.

في ظل عدم توافر أيّ فرصة، أنشأ صرصور بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة "منظومة شبابي الإعلامية"، وكانت تختص بتدريب طلاب الإعلام واختصاصات أخرى، وتنظيم المبادرات الشبابية والتطوعية والمخيمات الإعلامية بالتنسيق مع الوزارات المختصة كالإعلام والتربية والتعليم العالي، لكن ساء الوضع في منتصف عام 2016، وبسبب تراكم الديون عليه بعد شراء معدات التدريب، اضطر إلى إقفال مؤسسته.

تراكمت على صرصور ديون بنحو 27 ألف دولار أميركي، استطاع تسديد 7 آلاف منها بعد بيع المعدات بأقل من ثمنها بكثير، ولم يستطع تسديد بقية المبلغ. عام 2017 عانى من أزمة نفسية حادة، فقرر الانتحار لكنّه تراجع في اللحظات الأخيرة. دخل إلى السجن عدة مرات في ذلك العام وخلال العام الجاري لعدم استطاعته تسديد الديون. وكانت أطول فترة تلك التي بدأت في منتصف فبراير/ شباط الماضي واستمرت 63 يوماً.

وبعد خروجه من السجن، أنشأ بسطة لبيع المشروبات بالقرب من مجمع جامعات غزة، وسط مدينة غزة، وبعد انقضاء شهر رمضان افتتح بسطة داخل ميناء غزة، لكنها لم توفر له دخلاً جيداً بسبب قيود وزارة النقل والمواصلات. نقل صرصور بسطته في يوليو/ تموز الماضي إلى كورنيش بحر الشيخ عجلين في غزة عند المدرج البحري، واستدان حتى يشتري معدات وبعض الكراسي البلاستيكية، إذ كان يحصل على دخل بسيط ما بين 20 و30 شيكلاً (من 6 إلى 9 دولارات أميركية) يومياً، ويساعده شقيقه المهندس مساء. سُرقت بسطته مرتين، وبالرغم من تقدمه بشكوى إلى الشرطة، لم يحصل شيء.



تلقى صرصور إخطاراً من بلدية غزة بإخلاء مكانه على شاطئ البحر في نهاية أغسطس/ آب الماضي، وعاد ليضع بسطته في منطقة مجمع جامعات غزة، مع انطلاق العام الدراسي، لكنّه في صباح 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، فوجئ باختفائها، وبعد بحث وجدها ملقاة في منطقة بعيدة عن الجامعة وقد حجزتها البلدية وحطمتها جزئياً.

يقول صرصور لـ"العربي الجديد": "وجدت البسطة محطمة، وشعرت بحزن شديد، فتوجهت إلى المنزل، وكتبت منشوراً طويلاً على حسابي، أعبر فيه عن حزني، مشيراً إلى إخلاصي لبلادي، ومشاركتي في مبادرات خيرية وتطوعية، وبحثي عن لقمة عيش بسيطة، حرمتني منها بلدية غزة بتحطيم البسطة. انتشر ما كتبته وباتت قضية رأي عام".



طلبت بلدية غزة منه أن يكتب منشوراً آخر يشكرها فيه فتحلّ قضيته، لكنّه رفض ذلك لاعتبارها مساومة غير عادلة. وبعد المماطلة، أعلن الإضراب عن الطعام والشراب حتى عودة بسطته وتصليحها والسماح له بالعمل، وبعدما أصبحت قضية رأي عام، ردت البلدية أنّه مخالف للقانون وموجود في المنطقة منذ أربعة أشهر، وهو ما نفاه.

أعلن في اليوم التالي، في 18 سبتمبر الجاري، الإضراب عن الطعام والشراب، واستمر على هذه الحال 14 ساعة، حتى صدر قرار من رئيس بلدية غزة بتسليمه البسطة والسماح له بالعمل في منطقة الجامعات أو كورنيش البحر.




يعلق صرصور: "نحافظ على الأمل، ونسعى إلى التأقلم مع الأجواء العامة. من جهتي رفضت الغربة وبات حلمي مجرد بسطة، فلماذا ألاحَق في مثل هذه الأوضاع التي تنعدم فيها حقوقنا تماماً ولا يسمح لنا بتأمين لقمة عيشنا".

المساهمون