احتلّ الجيل الثاني من أبناء يهود إثيوبيا (يهود الفلاشا)، الذين استُقدموا إلى إسرائيل مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بظروف معيشته وحالات العنصرية التي يعاني منها أبناؤه، احتلّ الصدارة في تغطيات وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية في اليومين الماضيين. وكان لافتاً تغطية الإعلام العبري للتظاهرة، ربما بفعل الركود والخمول السياسي والحزبي في دولة الاحتلال هذه الأيام. أسفرت المواجهات التي وقعت مساء الأحد ـ الاثنين، بين آلاف المتظاهرين من أصول إثيوبية وبين الشرطة الإسرائيلية، عن إصابة العشرات، من بينهم أكثر من 50 شرطياً.
وأغلقت المواجهات والتظاهرة التي سبقتها، شريان مواصلات رئيسي في تل أبيب. أُخمدت "الانتفاضة" الإثيوبية سريعاً، بفعل قمعها من الشرطة الإسرائيلية من جهة، وما يبدو أنه تراجع عند منظمي الاحتجاجات من جهة أخرى. ومع أنه من السهل نسب المواجهات إلى انفجار الغضب المكبوت في نفوس أبناء الجيل الثاني، على العنصرية وسياسة الاستعلاء العرقي تجاههم، إلا أن ذلك وحده لن يكون كافياً لفهم ما حدث. وكان الغضب قد تفجّر مساء الخميس الماضي، بعد بثّ صور تعود إلى تاريخ 26 أبريل/نيسان الماضي، يظهر فيها تنكيل الشرطة الإسرائيلية بالجندي الإثيوبي الأصل دامس بيكادا. وكان لافتاً ردود الفعل لدى أبناء الجيل الثاني من الإثيوبيين، التي أظهرت عمق النزعة الإسرائيلية لديهم، في إطار سعيهم للوصول إلى داخل الإجماع الإسرائيلي، المتمثل أيضاً بامتياز المعاملة المتساوية والمخملية. واعتبر الإثيوبيون أنهم "ليسوا عرباً" كما صرخوا في تظاهراتهم، وأنهم "مشاركين في دفع ضريبة الخدمة العسكرية وانخراطهم في جيش الاحتلال".
ولعل دورهم ومشاركتهم في جيش الاحتلال، كان السلاح الذي رفعوه في وجه إسرائيل "البيضاء"، وهو السلاح الذي لم يتوفّر للجيل الأول منهم، الذي وصل من أفريقيا أواسط الثمانينيات ومطلع التسعينيات، عبر عمليتين معقّدتين: "حملة موسى" عبر أراضي السودان بالاتفاق مع رئيسها آنذاك جعفر النميري، و"حملة سليمان" التي يكتنف الغموض مسارها.
اقرأ أيضاً "إخراس الصحافة": إسرائيل أكبر عدو للإعلام
ويُشكّل دورهم في جيش الاحتلال، المفتاح الرئيسي عملياً لفهم سلوكهم، من دون أن تكون لهم أحزاب تمثلهم، أو قيادات تقليدية، خصوصاً بعد التراجع الكبير لدور قيادتهم التاريخية، المتمثلة بالكهنة الذين كان يُطلق عليهم اسم "كيسيم"، إما لأن أغلبهم قضوا، أو لأن نسيج الفلاشا الاجتماعي تمزّق مع تشتتهم في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلّة، من قبل الجهات الحكومية، مع الإبقاء على أعداد كبيرة لهم في مستوطنات الجنوب الفقيرة.
حالياً، لا توجد قيادة معتمدة ليهود الفلاشا، مع أن لهم تمثيلاً في الكنيست، عبر عضو الليكود أبراهام نجوسا، وسبق أن كان لهم ممثلون في أحزاب أخرى، مثل بنينا شاطا في حزب "ييش عتيد"، وأديسو مسالا في حزب "العمل" وآخرين. لكنهم جميعاً انتُخبوا في أحزابهم على أساس فردي، لا ضمن مجموعة عرقية. وقد اعترفت الشرطة الإسرائيلية بدورها في بهذا الأمر، كما أكدت "أنها لا تعرف شيئاً عن الناشطين الاجتماعيين والسياسيين، داخل مجتمع اليهود الإثيوبيين في إسرائيل".
ومع أن بعضهم يروق لهم الحديث عن فشل "بوتقة الصهر الصهيونية"، بفعل العنصرية البيضاء لإسرائيل، إلا أن ذلك لا يلغي واقع وحقيقة المواقف العنصرية التي يحملها يهود إثيوبيا أنفسهم تجاه العرب في الداخل، وضد الشعب الفلسطيني ضمن سعيهم "كأي مجموعة مهاجرة" إلى الانخراط في المجتمع الذي يستوعبها. وتجلّى ذلك مثلاً في مواقف عضوي الكنيست السابقين، شلومو مولا وبنينا شاطا، ضد الفلسطينيين في الداخل، وتحريضهما ضد النائبة حنين زعبي وضد "التجمع الوطني الديمقراطي".
مع ذلك، وعلى الرغم من القمع الرسمي والعنصرية التي يواجهها يهود إثيوبيا في إسرائيل، إلا أنها لا تختلف في واقع الحال عما لاقاه يهود الدول الإسلامية عند جلبهم إلى إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت الصهيونية تبحث عن "مخزون" يهودي، يُصحّح الميزان الديمغرافي لليهود في فلسطين بعد النكبة. وإذا كانت رئيسة الحكومة السابقة غولدا مئير وصفت اليهود الشرقيين بعد انتفاضتهم في أحداث وادي الصليب في حيفا في عام 1959 بأنهم "شباب غير ودودين"، فقد اكتفى رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، مساء الأحد، بالتعليق على التظاهرات بالقول "يجب فحص ادعاءات اليهود الإثيوبيين، لكن من دون تشريع أحداث العنف وخرق القانون".
لكن من شأن كل ذلك ألا يعالج واقع التمييز ضد اليهود الإثيوبيين، كما لن يؤدي إلى تغيير نهج التعامل معهم بين ليلة وضحاها، فعلى الرغم من تمزق المجتمع الإسرائيلي بين أشكناز وسفارديم وروس، غير أنه لن يمنع "تحمّل" وجود 120 ألف يهودي ببشرة سوداء، ما داموا يقبلون الفكر الصهيوني ويقدمون "ضريبتهم" العسكرية في جيش الاحتلال.
وخلافاً ليهود البلدان الإسلامية واليهود الروس، فإن عدد يهود الفلاشا الصغير، مقارنة بباقي المجموعات العرقية المكوّنة للمجتمع الإسرائيلي، يجعلهم أقل قدرة على تشكيل أي خطر أو تهديد لمنظومات وموازين القوى الاقتصادية، والحزبية في إسرائيل.
وسيكون بمقدور المؤسسة الإسرائيلية، خصوصاً بعد "انتفاضة" الفلاشا في تل أبيب، ولغياب تنظيمهم المجتمعي، احتواؤهم من خلال الإعلان عن خطة جديدة لتحسين ظروف حياتهم وإيجاد أماكن عمل لهم، واعتماد خطاب تصريحي ضد أي شكل من أشكال العنصرية ضدهم. ومع أن تنفيذ هذا الخطاب على أرض الواقع ليس مضموناً فعلياً، مثل حال التمييز ضد اليهود الشرقيين، الذين باتوا قوة لا يستهان بها داخل الأحزاب، من دون أن يحدث ذلك تغييراً جوهرياً في المجتمع الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً: تحالف قبرصي يوناني إسرائيلي مصري ضد تركيا
وأغلقت المواجهات والتظاهرة التي سبقتها، شريان مواصلات رئيسي في تل أبيب. أُخمدت "الانتفاضة" الإثيوبية سريعاً، بفعل قمعها من الشرطة الإسرائيلية من جهة، وما يبدو أنه تراجع عند منظمي الاحتجاجات من جهة أخرى. ومع أنه من السهل نسب المواجهات إلى انفجار الغضب المكبوت في نفوس أبناء الجيل الثاني، على العنصرية وسياسة الاستعلاء العرقي تجاههم، إلا أن ذلك وحده لن يكون كافياً لفهم ما حدث. وكان الغضب قد تفجّر مساء الخميس الماضي، بعد بثّ صور تعود إلى تاريخ 26 أبريل/نيسان الماضي، يظهر فيها تنكيل الشرطة الإسرائيلية بالجندي الإثيوبي الأصل دامس بيكادا. وكان لافتاً ردود الفعل لدى أبناء الجيل الثاني من الإثيوبيين، التي أظهرت عمق النزعة الإسرائيلية لديهم، في إطار سعيهم للوصول إلى داخل الإجماع الإسرائيلي، المتمثل أيضاً بامتياز المعاملة المتساوية والمخملية. واعتبر الإثيوبيون أنهم "ليسوا عرباً" كما صرخوا في تظاهراتهم، وأنهم "مشاركين في دفع ضريبة الخدمة العسكرية وانخراطهم في جيش الاحتلال".
اقرأ أيضاً "إخراس الصحافة": إسرائيل أكبر عدو للإعلام
ويُشكّل دورهم في جيش الاحتلال، المفتاح الرئيسي عملياً لفهم سلوكهم، من دون أن تكون لهم أحزاب تمثلهم، أو قيادات تقليدية، خصوصاً بعد التراجع الكبير لدور قيادتهم التاريخية، المتمثلة بالكهنة الذين كان يُطلق عليهم اسم "كيسيم"، إما لأن أغلبهم قضوا، أو لأن نسيج الفلاشا الاجتماعي تمزّق مع تشتتهم في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلّة، من قبل الجهات الحكومية، مع الإبقاء على أعداد كبيرة لهم في مستوطنات الجنوب الفقيرة.
حالياً، لا توجد قيادة معتمدة ليهود الفلاشا، مع أن لهم تمثيلاً في الكنيست، عبر عضو الليكود أبراهام نجوسا، وسبق أن كان لهم ممثلون في أحزاب أخرى، مثل بنينا شاطا في حزب "ييش عتيد"، وأديسو مسالا في حزب "العمل" وآخرين. لكنهم جميعاً انتُخبوا في أحزابهم على أساس فردي، لا ضمن مجموعة عرقية. وقد اعترفت الشرطة الإسرائيلية بدورها في بهذا الأمر، كما أكدت "أنها لا تعرف شيئاً عن الناشطين الاجتماعيين والسياسيين، داخل مجتمع اليهود الإثيوبيين في إسرائيل".
ومع أن بعضهم يروق لهم الحديث عن فشل "بوتقة الصهر الصهيونية"، بفعل العنصرية البيضاء لإسرائيل، إلا أن ذلك لا يلغي واقع وحقيقة المواقف العنصرية التي يحملها يهود إثيوبيا أنفسهم تجاه العرب في الداخل، وضد الشعب الفلسطيني ضمن سعيهم "كأي مجموعة مهاجرة" إلى الانخراط في المجتمع الذي يستوعبها. وتجلّى ذلك مثلاً في مواقف عضوي الكنيست السابقين، شلومو مولا وبنينا شاطا، ضد الفلسطينيين في الداخل، وتحريضهما ضد النائبة حنين زعبي وضد "التجمع الوطني الديمقراطي".
لكن من شأن كل ذلك ألا يعالج واقع التمييز ضد اليهود الإثيوبيين، كما لن يؤدي إلى تغيير نهج التعامل معهم بين ليلة وضحاها، فعلى الرغم من تمزق المجتمع الإسرائيلي بين أشكناز وسفارديم وروس، غير أنه لن يمنع "تحمّل" وجود 120 ألف يهودي ببشرة سوداء، ما داموا يقبلون الفكر الصهيوني ويقدمون "ضريبتهم" العسكرية في جيش الاحتلال.
وخلافاً ليهود البلدان الإسلامية واليهود الروس، فإن عدد يهود الفلاشا الصغير، مقارنة بباقي المجموعات العرقية المكوّنة للمجتمع الإسرائيلي، يجعلهم أقل قدرة على تشكيل أي خطر أو تهديد لمنظومات وموازين القوى الاقتصادية، والحزبية في إسرائيل.
وسيكون بمقدور المؤسسة الإسرائيلية، خصوصاً بعد "انتفاضة" الفلاشا في تل أبيب، ولغياب تنظيمهم المجتمعي، احتواؤهم من خلال الإعلان عن خطة جديدة لتحسين ظروف حياتهم وإيجاد أماكن عمل لهم، واعتماد خطاب تصريحي ضد أي شكل من أشكال العنصرية ضدهم. ومع أن تنفيذ هذا الخطاب على أرض الواقع ليس مضموناً فعلياً، مثل حال التمييز ضد اليهود الشرقيين، الذين باتوا قوة لا يستهان بها داخل الأحزاب، من دون أن يحدث ذلك تغييراً جوهرياً في المجتمع الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً: تحالف قبرصي يوناني إسرائيلي مصري ضد تركيا