"النووي" أطفأ شمعته الثالثة.. اقتصاد إيراني عالق في براثن القيود

13 يوليو 2018
من إضراب تجار التجزئة في بازار طهران (فرانس برس)
+ الخط -
في الشارع، لم يعد الإيرانيون يتحدثون بإيجابية عن الاتفاق النووي، كما كان الحال قبل عام وعامين عندما كانوا على الأقل يلمسون استقرارا في الوضعين السياسي والاقتصادي على حد سواء.

فهم عادوا لدفع الثمن مجددا منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق، وهو ما زاد، إلى جانب عوامل اقتصادية داخلية، الأمور سوءا، فانخفض سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار كثيرا، ونشطت السوق السوداء، وارتفعت أسعار السلع الأساسية وعلى رأسها المواد الغذائية.

تقول السيدة خسرويان، وهي أمّ عاملة، إن راتبها وراتب زوجها لم يعودا كافيَين، وصحيح أنهما يعتمدان على القروض والأقساط كثيرا في شراء مستلزمات المنزل بالذات، إلا أن الأسعار عادت لتتغير بشكل شبه يومي، وهو ما يزيد من احتمال ارتفاع مستوى الضغوطات المعيشية في الفترة القادمة.

أضافت لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تطلب من المواطنين التبليغ عن المحتكرين والمتلاعبين بالأسعار، بخاصة أسعار الصرف، لكن هذا غير كاف، فمن المفترض أن تسعى إلى ضبط السوق في ظل هذا الارتباك الاقتصادي.
أما السيد مرادي فيرى أن الاتفاق النووي حقق بعض الأمور الإيجابية لطهران، على رغم انسحاب أميركا وأجواء التذبذب والقلق الحالية، لكنه على الأقل استطاع إبعاد شبح الحرب من إيران وأنهى حالة الحصار الاقتصادي المحكمة عليها، واستطاعت أن تبني علاقات مع الآخرين رغم الضغوطات الأميركية.

يوافقه الرأي نسبيا السيد طهماسبيان الذي رأى أن العوامل الخارجية عادت لتضغط كثيرا على البلاد، وأن الاتفاق النووي استطاع أن ينهي حالة العزلة السياسية التي كانت تعيشها طهران قبله وحسب، لكنه يتخوف كثيرا من القادم، فالمواطن الإيراني لا يريد أن يعود إلى ظروف معيشية سيئة.

كانت الحكومة الإيرانية، وعلى رأسها حسن روحاني، قد أكدت أنها قادرة على تأمين السلع الرئيسة، وحاولت طمأنة المواطنين على لسان مسؤولين فيها وخفض مستوى القلق لديهم النابع من وجود ترامب في البيت الأبيض ومن خروجه من الاتفاق النووي، ومقابل ذلك زادت المطالبات الموجهة للحكومة والمتعلقة بضرورة إجراء تغييرات في بنية الاقتصاد وحتى في تركيبتها الوزارية وإحداث تعديلات في المناصب، علها تصبح قادرة على احتواء مشكلات الاقتصاد بخاصة ارتفاع الأسعار، الذي عاد بصورة هاجس كبير كما سنوات سبقت التوصل للاتفاق النووي.
وعلق الخبير الاقتصادي بهمن آرمان على الوضع الاقتصادي، بعد 3 سنوات مرت على الاتفاق النووي، ورأى أنه من الناحية العملية لم يحقق إنجازات اقتصادية كبرى، لأن غالبية المسببات بنيوية داخلية، قائلا إنه كان من المتوقع أن يساهم الاتفاق النووي في حلحلة جزء بسيط من هذه الإشكالات لكن ذلك لم يحدث.

أكد آرمان ارتفاع معدلات الصادرات النفطية الإيرانية عقب الاتفاق، لكن حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة والنفط والفولاذ والمعادن والألمنيوم لم يتطور كثيرا، كما أن المصارف الكبرى لم تتعاون مع إيران كما كان من المفترض، وهو ما اعترضت عليه البلاد أكثر من مرة، فرغم أن الاتفاق النووي يتيح لها ذلك بما يسهل تطبيق الصفقات ويزيد الاستثمارات، إلا أن هذه المشكلة لم تحل، بحسب تعبيره.

وأضاف أن الشركات الأوروبية الراغبة في تعاون حقيقي مع إيران ووقعت صفقات معها أيضا لم تطبقها بشكلها الأمثل حتى اليوم، فملايين المستثمرين وأصحاب الأسهم الفاعلين في السوق العالمية لن يراهنوا على علاقاتهم مع أميركا، ولا يمكن للحكومات الأوروبية أن تجبرهم على التعاون مع طهران، وهم متخوفون من أن تطاولهم العقوبات أو تتهدد مصالحهم مع الولايات المتحدة، فلم يبد آرمان تفاؤلا من المرحلة القادمة كثيرا.

ارتباك المؤشرات
وصل الاتفاق للعام الثالث والمؤشرات الاقتصادية مرتبكة، وما زال سعر صرف الريال الإيراني يتغير أكثر من مرة في اليوم الواحد، وعاد الحال إلى ما كان عليه في زمن تشديد الحظر النووي، وهو الذي ارتفع من 40 ألف ريال تقريبا للدولار الواحد في يوليو/ تموز العام الماضي، إلى 80 ألفا في بعض أيام الشهر الجاري، ومع أن الحكومة اتخذت عددا من الإجراءات وحاولت ضخ العملة الصعبة في السوق، وتثبيت سعر صرف البنك المركزي عند 42 ألف ريال، إلا أنها لم تستطع إنعاش الوضع.

وكان نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد أعلن أخيرا أن اجتماع وزراء خارجية إيران ودول 4+1 الذي عقد في فيينا قبل أسبوع تقريبا، بحث مقترحات حول ضرورة عدم استخدام الدولار في التعاملات التجارية بين إيران والشركاء، في محاولة لإيجاد مخرج لمواجهة العقوبات الأميركية التي قد تتسبب بانهيار العملة المحلية مقابل الدولار.

فضلا عن ذلك، ذكرت مصادر صحافية أن إيران متخوفة من مواجهة ضغوط مالية كبرى بالتزامن وذكرى الاتفاق النووي الثالثة، وتقدمت أخيرا بطلب لألمانيا لسحب 300 مليون يورو من حسابات بنكية إيرانية هناك، وكانت تقارير غربية قد قدّرت أموال إيران المجمدة لدى أميركا بمبالغ تتراوح بين 100 و150 مليار دولار. وخلال الأعوام القليلة الفائتة، استطاعت طهران تسلم عدة دفعات من أموالها المجمدة لدى مصارف الغرب هي عائداتها النفطية التي كانت محرومة منها في زمن الحظر.
سلاح النفط إلى الواجهة
تشهر طهران اليوم سلاحها المعهود لمواجهة هذه المشكلة، فتهدّد بإغلاق مضيق هرمز، ما من شأنه إحداث اضطراب في سوق النفط العالمية.

فهي تعتمد بشدة على عائداتها من الصادرات النفطية، واستطاعت رفعها بعد التوصل للاتفاق النووي، وذكرت وزارة النفط أن البلاد صدّرت 2.2 مليون برميل من الخام يومياً في يونيو/ حزيران، وفي الأشهر التي سبقته استطاعت تصدير ما يقارب مليونين ونصف مليون برميل، لكن الحظر العائد إليها من أميركا والذي سيدخل حيز التنفيذ العملي في أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني القادمين، سيستهدف قطاع النفط.

تواجه طهران في العام الثالث من الاتفاق تحديا كبيرا على هذا الصعيد، إذ تنوي الولايات المتحدة تصفير عداد الصادرات النفطية الإيرانية، وقد ذكر نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري أخيرا أن واشنطن تحاول وقف صادرات البتروكيماويات والنحاس وتعطيل الموانئ وخدمات النقل والملاحة البحرية أيضا، وقد تواصلت مع عدة دول، منها من رفض المقترح وآخر أبدى استعدادا، ومن ثم لوحظ تغيّر في لهجة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في هذا السياق، مبديا احتمال التراجع عن القرار الأميركي بشأن النفط الإيراني.

تعويل على الغرب والشرق
من الواضح أن إيران تحاول الحفاظ على اتفاقها لأجل مكتسباته السياسية أولا، والاقتصادية ثانيا، وإن كانت لا ترتقي إلى ما حلمت به أو تريده البلاد، لذا ما زال خط العلاقات مفتوحا مع الاتحاد الأوروبي، وما زالت طهران تراهن على ورقة رغبة الغرب بالكعكة الاقتصادية الإيرانية.

زيارة الرئيس حسن روحاني الأخيرة إلى سويسرا والنمسا أكدت هذا المنحى، وكذلك الاتصالات المستمرة بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين. خبراء يرون أن أوروبا تستطيع أن تتصرف مع العقوبات على غرار ما فعلت مع قانون داماتو الأميركي للعقوبات، فتستطيع تفعيل إجراءات الردع التي تحمي شركاتها إذا أرادت، لكن هذا ما زال يبدو صعبا، معتبرين أن المرحلة المقبلة تعتمد على تصرفات أوروبا.
تلعب طهران دورا ثانيا على الضفة الأخرى، فتعول كثيرا على شركائها في روسيا والصين، وهم المتفقون معها بالكامل على ضرورة استمرار الاتفاق، ولوحت لإمكانية منحهم المشاريع غير المكتملة والتي ستتركها شركات أوروبية، ومنها توتال.

فضلا عن ذلك، تعد تركيا طرفا اقتصاديا قد يساعد إيران، فيما أعلنت أنقرة أنها لن تقطع علاقاتها التجارية مع طهران بناء على أوامر من دول أخرى.
المساهمون