"النصرة" و"داعش": حرب كلامية وحسابات سعودية

26 فبراير 2014
النصرة وداعش: ساعة المواجهة الشاملة
+ الخط -

"نفاد الصبر" من تنظيم "دولة العراق والشام الإسلاميّة ـ داعش"، هي العبارة التي يمكن أن توجز مضمون كلمة أمير "جبهة النصرة"، أبو محمد الجولاني، والتي بثتها، أوّل من أمس الاثنين، مواقع جهاديّة على صفحة الانترنت. الرد لم يتأخر، على لسان القيادي في "داعش"، أبو عبدالله الأفغاني، في انتقاد كلمة الجولاني، ليل أمس الثلاثاء، داعياً إياه إلى عدم اختبار "حلم الدولة الإسلاميّة". نشبت الحرب الكلاميّة، وهي تمّهد إمّا إلى حرب طاحنة مرجّحة، أو إلى "تفاهم" مُستبعد، وفي الحالتين، ثمة إعادة تشكيل لخريطة القوى المقاتلة على الأراضي السوريّة.

كان السبب المباشر لكلمة الجولاني، اغتيال أحد أبرز قادة التنظيمات الإسلاميّة المسلحة، أبو خالد السوري، القيادي المؤسس لحركة "أحرار الشام"، والذي يعدّ من أقدم السوريين في الانتساب والعمل ضمن صفوف تنظيم "القاعدة". ونظراً لعلاقاته مع أبرز قيادات التنظيم، ومنهم قائده السابق، أسامة بن لادن، أوكل أيمن الظواهري لأبو خالد السوري، المعروف أيضاً باسم أبو عمير الشامي، ليكون مندوباً له للفصل في النزاعات التي نشأت بين "داعش" و"جبهة النصرة". وحكم الشامي بوجوب خروج جماعة أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش" من سوريا، أو انضمامها تحت لواء الجولاني، وهو ما رفضه "داعش"، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف، إلى نشوب حرب تصفية بين الفصائل الإسلامية من جهة وبين "داعش" من جهة أخرى.

ونفاد صبر "الجبهة" هو الصيغة الأخرى لما يمكن تسميته "الإنذار الأخير"، من قبل "داعش".

ولم ينفع تبرّؤ "داعش" من اغتيال أبو خالد السوري، في التخفيف من لهجة أمير "النصرة"، هذا إن لم تعتبر دعوته الجديدة إلى "تحكيم شرع الله"، بمثابة رغبة في عدم التسرّع وإعلان الحرب على "داعش"، على اعتبار أنّ النفي يمكن أن يمّثل "قرينة براءة"، يأخذها الجولاني، الذي عُرف عنه سعيه إلى التعاطي بصورة استراتيجّية مع الوضع السوري.

حملت كلمة الجولاني حزناً ودعوة إلى الحل وإنذاراً، وعلى افتراض أن الحزن يشترك به الطرفان، يبقى أن الإشكالية تكمن في إمكانية الكشف عما يريد الجولاني أن يسمعه "داعش".

يعلم الجولاني أن "داعش" لن يرى في كلمته سوى الإنذار، وهذا ما أكّده الرد الليلي من قبل الأفغاني. تبادُل التهديد هي اللغة التي تسيطر على الخطاب. لم يستطع التنظيم أن يلتقط ما يراه البعض، "دهاء" الجولاني، الذي ينظر إلى المستقبل، كما لم تفعل "داعش" وزعيمها أبي بكر البغدادي بحسب كثيرين: ثمّة أسلحة حديثة للكتائب المعتدلة على الطريق، بالتالي هناك تفوق نوعي وميداني لـ"الاعتدال" على "التطرف". وإن كان الأوّل هو المولج، محلياً وإقليمياً ودولياً، ليكون في طليعة القوى المقاتلة لنظام الرئيس بشار الأسد، فإنّ هذا لا بد أن ينعكس اجتماعياً عبر احتضان مقاتليه وطرحه السياسي والأيديولوجي، الأمر الذي يعني اقصاء وتهميش قوى "القاعدة": داعش أوّلاً، والنصرة تاليّاً.

غير أنّ عدم استجابة "داعش" لدعوة الحل، تمهّد الطريق لالتحام أكبر بين "الجبهة"، الممّثلة الرسميّة لـ"القاعدة" في سوريا، وسائر الكتائب الإسلاميّة التي تقع على يسار "الجبهة"، بدءاً بحركة "أحرار الشام".

تؤمّن "الجبهة" لنفسها بهذا الالتحام، الذي لا بدّ أن يتعمّق خلال "رفقة السلاح" ضد عدوين هما "داعش" والنظام، حمايةً لوجودها في سوريا، وبالتالي استمراريّة لمشروعها الجهادي، وليس ثمّة في الأفق ما يدعو إلى الاعتقاد أن صراعاً سينشب ما بين "الجبهة" والسلفيّة السوريّة المقاتلة، ولا سيّما أنّ الأولى تجنبت إلى حد كبير الايحاء بوجود مشروع خاص بها على الأراضي السوريّة.

لا يمكن أن يشكّل مقتل الرجل، بالنسبة لجبهة النصرة، سوى القطرة التي جعلت الكأس تطفح، إذ لم يشكّل حتى إصدار القيادة العامة لتنظيم القاعدة، مطلع الشهري الجاري، بياناً تعلن فيه تبرؤها من "داعش"، سبباً كافياً لـ"النصرة"، كي تصدر تحذيرها الأخير.

لكن، في المقابل، وفي حال أُخذ نفي "داعش"، القيام بعملية تصفية أبو خالد السوري، على محمل الجد، فإنّ هذا يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات تتعلق أوّلاً بحقيقة الجهة المنفذة للاغتيال، وتالياً بسياسة القوى الإقليميّة الوازنة ازاء تنظيم "القاعدة"، وفي مقدّمتها السعوديّة.

أبو خالد السوري، سفير "القاعدة" في سوريا، وهو قيادي في حركة "أحرار الشام الإسلامية"، أبرز الفصائل المنضوية تحت راية "الجبهة الإسلاميّة"، وتُعتبر الأخيرة من أكبر التكتلات العسكريّة المقاتلة بقيادة زهران علوش، "رجل السعوديّة في سوريا". ويبقى السؤال المطروح: هل تتعلق تصفية أبو خالد السوري بعزم السعوديّة تقديم دعم نوعي للمعارضة السوريّة، بغية تعديل ميزان القوى العسكري من جهة؟ وبغية التنصُّل من "القاعديين" السعوديين المقاتلين في سوريا، ومواجهة التنظيم الجهادي العالمي قصد إضعافه؟

هكذا، ثمة من يربط بين كل ذلك من جهة، وبين رغبة الرياض في تعزيز موقفها، قبل أن تستقبل، بعد أقل من ثلاثة أسابيع، الرئيس الأميركي باراك أوباما.