رجال ونساء، شباب وكهول، مجموعة من البشر تنتظر ما لا يأتي على موعده. تمتد ساعات الانتظار، ويفتقد هؤلاء طاقتهم بلا جدوى. يتأففون بصمت، يتبادلون الحديث والشكوى. وأخيراً يأتي... مزدحماً. إنه "علبة السردين" أو "أتوبيس هيئة النقل العام في مصر". ووسط هذه الجموع البشرية، في محطة الانتظار المتهالكة التي تخلو من أي مقعد للاستراحة، يقف محمد بسيوني الموظف في وزارة الصحة. ينظر إلى ساعته والقلق يسيطر على ملامح وجهه.
النقل العام
النقل العام
يروي بسيوني لـ "العربي الجديد" قصة سلب إنسانيته يومياً، ويقول إن منزله يبعد عن القاهرة حيث مكان عمله، بنحو 40 كيلومتراً. "استيقظت مبكراً قبل موعد العمل بساعتين، وقد قمت بالكثير من الحسابات لدراسة الوقت الذي أحتاجه لكي أصل إلى عملي في موعده، ولكن بلا جدوى".
ويتابع بسيوني "هكذا تضطر الغالبية العظمى من الموظفين إلى التعلّق بأي طرف من الأتوبيس، قد يكون الباب وقد يكون خلفية الأتوبيس، ما يعرضنا إلى حوادث لا حصر لها". ويلفت بسيوني إلى أن "غالبية الوقت يتوقف الأتوبيس فجأة ويطلب السائق من الجميع مغادرة الأتوبيس بعدما يصاب بعطل. والمحصلة صراخ طوال الوقت". ويضيف بسيوني "هيئة النقل العام في مصر لا تعرف شيئاً عن الوقت، ولا عن أهمية أرواح المواطنين".
معاناة بسيوني التي تختصر الحياة اليومية لكل من يستقل "ميكروباص" الدولة، تسندها أرقام مدهشة. إذ يصل عدد أتوبيسات هيئة النقل العام في مصر إلى 4700 أتوبيس، أصبح ما يزيد على نصفها غير قابل للاستخدام.
أما الانعكاسات الاقتصادية لهذه الأزمة، فيقدرها الجهاز المركزي للمحاسبات بنحو 17 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) سنوياً موزعة بين ضياع الوقت على الطرقات، والشلل المروري، وانهيار الطرق وتعويض القتلى والمصابين.
"حل أزمة المواصلات في مصر لن يأتي إلا عبر رفع الدعم عن كلفة النقل العام، وفتح الباب أمام الشركات الخاصة لتصميم الطرق، والعمل في هذا القطاع"، هكذا يلخص أستاذ هندسة الطرق بكلية الهندسة في القاهرة، وعضو لجنة تطوير النقل التابعة لوزارة النقل، مجدي صلاح، الحل لهذه المشكلة.
ويقول صلاح لـ "العربي الجديد"، إن مجلس الوزراء أطلق في الفترة السابقة خطة في هذا الشأن، "وبدأ السير على الطريق الصحيح من خلال تشغيل 50 أتوبيساً جديداً في القاهرة الكبرى، حيث يبلغ سعر التذكرة 10 جنيهات".
ويضيف صلاح أن "الدولة أعلنت عن تنفيذ 57 إجراء، تصب في خطة تشغيل ثلاثة آلاف أتوبيس مكيّف، إذ إن بعض هذه الأتوبيسات سيكون بطابقين. وتصل الكلفة الاستثمارية لهذه الأتوبيسات إلى نحو 4.7 مليار جنيه".
ويلفت إلى اتجاه "للتعاقد مع شركات خاصة لتحصيل رسوم الانتظار من السيارات. إلى جانب فرض غرامات يومية على المصارف والمتاجر الكبرى والمكاتب والمحال التجارية التي لا تمتلك مواقف للسيارات. وغيرها العديد من الإجراءات التي من شأنها توفير التمويل لإجراء تغيير شامل في منظومة النقل في مصر".
إلا أن خبير المرور في الأمم المتحدة ومساعد وزير الداخلية للمرور سابقاً، اللواء يسري الروبي، قال إن الأزمة الحقيقية في هذا الملف هي طريقة معالجتها "حيث يعتبر البعض أن رفع الدعم أو تقليصه قد يؤدي إلى حل المشكلة، ويعتقد البعض الآخر أن إسناد الطرق لشركات خاصة أو للقوات المسلحة يعتبر حلاً".
ويشرح الروبي "هذه الآليات لا جدوى منها على الإطلاق طالما لم تتم مراعاة التدريب والتأهيل بدءا من المشرع الذي يضع قوانين المرور، وصولاً إلى السائق والضابط وأمين الشرطة المسؤول عن تنظيم المرور في مصر".
ويضيف الروبي "ما يزيد الدهشة أن تلك الحلول عمل بها رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب عندما اكتشف أن الشركة التي كان يترأسها "المقاولون العرب" تكلفت خسائر تقترب من 12 مليون جنيه، فاتجه فوراً إلى تدريب أكثر من ألف سائق لمدة سنة ونصف. وبعدها حققت شركته عائدات ضخمة من خلال تفادي عدد كبير من الحوادث والمخالفات التي تلحق الضرر بسمعة الشركة".
فلماذا لا يخشى رئيس الوزراء على حياة ملايين المصريين ومصالحهم، مثلما يخشى على سمعة شركته؟
ويتابع بسيوني "هكذا تضطر الغالبية العظمى من الموظفين إلى التعلّق بأي طرف من الأتوبيس، قد يكون الباب وقد يكون خلفية الأتوبيس، ما يعرضنا إلى حوادث لا حصر لها". ويلفت بسيوني إلى أن "غالبية الوقت يتوقف الأتوبيس فجأة ويطلب السائق من الجميع مغادرة الأتوبيس بعدما يصاب بعطل. والمحصلة صراخ طوال الوقت". ويضيف بسيوني "هيئة النقل العام في مصر لا تعرف شيئاً عن الوقت، ولا عن أهمية أرواح المواطنين".
معاناة بسيوني التي تختصر الحياة اليومية لكل من يستقل "ميكروباص" الدولة، تسندها أرقام مدهشة. إذ يصل عدد أتوبيسات هيئة النقل العام في مصر إلى 4700 أتوبيس، أصبح ما يزيد على نصفها غير قابل للاستخدام.
أما الانعكاسات الاقتصادية لهذه الأزمة، فيقدرها الجهاز المركزي للمحاسبات بنحو 17 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) سنوياً موزعة بين ضياع الوقت على الطرقات، والشلل المروري، وانهيار الطرق وتعويض القتلى والمصابين.
"حل أزمة المواصلات في مصر لن يأتي إلا عبر رفع الدعم عن كلفة النقل العام، وفتح الباب أمام الشركات الخاصة لتصميم الطرق، والعمل في هذا القطاع"، هكذا يلخص أستاذ هندسة الطرق بكلية الهندسة في القاهرة، وعضو لجنة تطوير النقل التابعة لوزارة النقل، مجدي صلاح، الحل لهذه المشكلة.
ويقول صلاح لـ "العربي الجديد"، إن مجلس الوزراء أطلق في الفترة السابقة خطة في هذا الشأن، "وبدأ السير على الطريق الصحيح من خلال تشغيل 50 أتوبيساً جديداً في القاهرة الكبرى، حيث يبلغ سعر التذكرة 10 جنيهات".
ويضيف صلاح أن "الدولة أعلنت عن تنفيذ 57 إجراء، تصب في خطة تشغيل ثلاثة آلاف أتوبيس مكيّف، إذ إن بعض هذه الأتوبيسات سيكون بطابقين. وتصل الكلفة الاستثمارية لهذه الأتوبيسات إلى نحو 4.7 مليار جنيه".
ويلفت إلى اتجاه "للتعاقد مع شركات خاصة لتحصيل رسوم الانتظار من السيارات. إلى جانب فرض غرامات يومية على المصارف والمتاجر الكبرى والمكاتب والمحال التجارية التي لا تمتلك مواقف للسيارات. وغيرها العديد من الإجراءات التي من شأنها توفير التمويل لإجراء تغيير شامل في منظومة النقل في مصر".
إلا أن خبير المرور في الأمم المتحدة ومساعد وزير الداخلية للمرور سابقاً، اللواء يسري الروبي، قال إن الأزمة الحقيقية في هذا الملف هي طريقة معالجتها "حيث يعتبر البعض أن رفع الدعم أو تقليصه قد يؤدي إلى حل المشكلة، ويعتقد البعض الآخر أن إسناد الطرق لشركات خاصة أو للقوات المسلحة يعتبر حلاً".
ويشرح الروبي "هذه الآليات لا جدوى منها على الإطلاق طالما لم تتم مراعاة التدريب والتأهيل بدءا من المشرع الذي يضع قوانين المرور، وصولاً إلى السائق والضابط وأمين الشرطة المسؤول عن تنظيم المرور في مصر".
ويضيف الروبي "ما يزيد الدهشة أن تلك الحلول عمل بها رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب عندما اكتشف أن الشركة التي كان يترأسها "المقاولون العرب" تكلفت خسائر تقترب من 12 مليون جنيه، فاتجه فوراً إلى تدريب أكثر من ألف سائق لمدة سنة ونصف. وبعدها حققت شركته عائدات ضخمة من خلال تفادي عدد كبير من الحوادث والمخالفات التي تلحق الضرر بسمعة الشركة".
فلماذا لا يخشى رئيس الوزراء على حياة ملايين المصريين ومصالحهم، مثلما يخشى على سمعة شركته؟