"الموت المتحرك" في اليمن... لتصفية سياسيين وعسكريين و"مقاومين"

07 سبتمبر 2015
تحولت الدراجات من وسيلة تنقل إلى أداة للاغتيال(محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -
"بعد أن منعت الحكومة الدراجات النارية في عدن" (جنوب اليمن) ذهبت للعمل بدراجتي في محافظة لحج المجاورة ﻷعيل أسرتي، لأنها مصدر رزقنا الوحيد حالياً". هكذا بدأ بكيل إبراهيم حديثه لـ"العربي الجديد" عن تضرره من قرار منع الدراجات النارية الذي أصدرته اللجنة الأمنية في محافظة عدن. لكن إبراهيم لم يحمل السلطات المسؤولية برمتها، بل حمل جزءاً منها لمن يستخدم الدراجات النارية لعمليات الاغتيال على غرار الحوادث التي طاولت قيادات في الجيش الموالي للشرعية و"المقاومة الجنوبية" قبل أيام. وقد تسبب قرار السطات الأمنية في تضرر عدد كبير من اليمنيين الذين يعتمدون على الدراجات كمصدر دخل لهم، عبر تحويلها إلى وسيلة لنقل اليمنيين، وخصوصاً في أوقات الأزمات.

يروي إبراهيم، كيف اشترى الدراجة النارية مع بداية الحرب الأخيرة التي اندلعت عقب اجتياح الحوثيين للمناطق اليمنية، قائلاً "بعد توقف راتب والدي الذي يعيلنا اضطررت مع والدي ووالدتي أن نجمع مبلغ مائتين وعشرة آلاف ريال يمني (ما يقارب ألف دولار حينها) لشراء الدراجة". ويضيف "أغلب المبلغ لا يزال ديناً للأصدقاء، ولم نتمكن، حتى الآن، من تسديده بالكامل"، لافتاً إلى أن "معظم المبلغ الذي يجمعه، خلال ساعات العمل الطويلة على الدراجة النارية، يصرف على الأسرة، وما يزيد من دخل نحاول منه تسديد الديون".

بدوره، يشكو خالد عبدالوهاب، الذي اتخذ قرار العمل على الدراجة النارية منذ سنتين، تأثير منع الدراجات النارية على دخل الأسرة، وخصوصاً في هذه الظروف، متمنياً "أن يتم توظيفه ليكون لديه دخل ثابت يصرف على أسرته، ويبيع دراجته".
وخلال العقد الأخير، ارتفعت أهمية الدراجات النارية في كل مناطق اليمن. وكان ملحوظاً أن انتشارها الكبير كان الهدف الأساسي منه استخدامها كمصدر دخل للأسر اليمنية، إذ تحولت إلى وسيلة تنقل رخيصة وسهلة، حتى باتت تلقب بـ"وسيلة تنقل الفقراء". وكانت المحافظات اليمنية الأشدّ فقراً الأكثر استخداماً للدراجات النارية قبل أن تتوسع هذه الظاهرة وتشمل العاصمة صنعاء.
تشير مصادر أمنية واقتصادية تحدثت إليها "العربي الجديد" إلى أنّ مجموعة من العوامل المرتبطة بالوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن اليمني هيأت لانتشار هذه الظاهرة قبل سنوات وابتكارها كمصدر جديد للدخل. وتلخص هذه العوامل بعدم وجود إصلاحات اقتصادية وتنموية، تواصل الجرع (زيادة أسعار المشتقات النفطية) في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، استمرار ارتفاع نسبة البطالة، ولا سيما في صفوف خريجي الجامعات، وانخفاض الدخل بشكل متزايد. ويضاف إلى كل ذلك مشكلة وعورة الطرقات وعدم الاهتمام من السلطات في تعبيدها. ومع انتشار الظاهرة لجأ اليمنيون إلى شراء واستخدام الدراجات النارية، بمن فيهم موظفو الدولة لتكون بديلاً من السيارات، وتحولت إلى مصدر دخل مكمل لبعضهم، فيما أصبحت دخلاً وحيداً لعشرات الآلاف من الأسر اليمنية.

وكانت صنعاء والحديدة وذمار وتعز ولحج والضالع، من أكثر المحافظات التي تنتشر فيها الدراجات النارية. وقد حاول نظام الرئيس المخلوع منعها، لكن القرارات التي اتخذت في هذا السياق كانت شكلية، عدا عدن، إذ لم تكن في حينه الدراجات النارية موجودة، وغير مسموح استخدامها في عدن. لكن سرعان ما اتخذت الدراجات النارية أبعاداً سياسية. وتمثّل فترة انطلاق الحراك الجنوبي في2007 وثورة التغيير في 2011، أبرز المحطات.

اقرأ أيضاً: حروب المليشيات تحيي جدلية الوحدة والانفصال في اليمن

عند انطلاق الحراك الجنوبي وبدئه تعرضت الاحتجاجات الشعبية والسلمية للقمع وكانت الدراجات النارية هي الوسيلة الأسهل لنقل الجرحى، ولا سيما في المناطق النائية، والتي انحصرت في ردفان لحج والضالع.
وعقب اشتداد احتجاجات الحراك الجنوبي، كان هناك قرار من الحكومة في عهد الرئيس المخلوع في 2009، بضرورة جمركة الدراجات النارية ودفع ما يقارب الخمسين دولاراً في حينه لإتمام معاملاتها القانونية. وعلى الأثر، قامت السلطات في محافظة لحج بتوقيف عدد من هذه الدراجات بحجة عدم جمركتها، مبررة الخطوة بالأهداف الأمنية وضبط الأوضاع. لكن تسبب القرار باندلاع احتجاجات وأعمال عنف في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج، وصلت إلى إحراق محلات لأشخاص ممن ينتمون إلى محافظات الشمال. يومها وجهت السلطات الاتهامات للحراك الجنوبي بالتسبب في هذه الحوادث، لكن الأخير كان ينفي أي صلة له في هذه الأحداث، متهماً السلطات باستخدام الدراجات النارية كعذر، في محاولة منها لجرّ الحراك إلى العنف. وهو ما أكدت صحته لاحقاً مصادر أمنية، مشيرة إلى أن المخطط كان يهدف لضرب سلمية الحراك الجنوبي حينها، لتخفيف الضغط الإقليمي والدولي عن صالح في سرعة حل القضية الجنوبية وتلبية مطالب الجنوبيين، ووقف الانتهاكات التي تطاول احتجاجات الحراك الجنوبي. وكانت قيادات في السلطة وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه الرئيس المخلوع إلى الآن، تتولى الإشراف على هذه الأعمال.
من جديد، برز استخدام الدراجات النارية، سياسياً وأمنياً، مع انطلاق ثورة التغيير في عام 2011 وفي المرحلة التي تلتها.
وبينما كان شباب الثورة يستخدمون الدراجات النارية للتنقل وإسعاف الجرحى في صنعاء وتعز وبعض المحافظات الأخرى، خلال أيام الثورة، إلا أنّ صالح استخدمها في خطف الناشطين من شباب الثورة. أما بعد إجباره على التنحي وتولي الرئيس الحالي، عبدربه منصور هادي، السلطة، سجل تطور في استخدام الدراجات النارية أمنياً.
عقب 2011، كان ملاحظاً أنّ الدراجات النارية قد بدأت تغزو عدن وتستخدم في تنفيذ الاغتيالات. وبعدما كانت تعرف بأنها "وسيلة النقل الأسرع" و"وسيلة تنقل الفقراء"، بات يطلق عليها "الموت المتحرك"، "الموتور السياسي"، "الكابوس" "قابض الأرواح"، وأخيراً "موتور عفاش" نسبة إلى الرئيس المخلوع صالح، المتهم الأساسي بتنفيذ الاغتيالات.
استهدفت الاغتيالات في البداية ضباطاً جنوبيين تقدر أعدادهم بالمئات، جزء بسيط منهم تبنى تنظيم"القاعدة" تصفيتهم، وتحديداً ممن يعملون في الاستخبارات، فيما الجزء الآخر لم يصدر أي تبني لاستهدافهم.

اقرأ أيضاً: القاعدة" ينفي علاقته باغتيالات عدن ويحذّر من خلط الأوراق 

وإن كان الانتقام هدفاً أساسياً من الاغتيالات كما يرى مراقبون، إلا أن بعضهم ربط بين هذه العمليات وإثارة الشارع الجنوبي ضد هادي وحلفائه في الحكم.
ونظراً لأن عدن كانت من بين أكثر المحافظات التي حدثت فيها اغتيالات، فقد جرت محاولات من السلطات المحلية لمنع استخدام الدراجات النارية في المحافظة الجنوبية، لوقف نزيف الاغتيالات وتوتر الأوضاع الأمنية بسببها. إلا أن الأجهزة الأمنية والعسكرية لم تكن حاسمة، بل كانت تسمح لهذه الدراجات بالتجول والتحرك بحرية، ولا سيما أن هذه القوات كانت تابعة للرئيس المخلوع علي صالح. وأفشلت هذه الأجهزة الأمنية جميع القرارات الداعية إلى منع دخول الدراجات النارية عدن وتجولها، وفقاً لمصادر أمنية وتقارير كانت ترفع في حينه لقيادة المحافظة. وكانت التقارير تشير بوضوح إلى عدم التزام الأجهزة الأمنية بتنفيذ القرارات كونها كانت تتحكم في مفاصل الحياة والحركة وتطبيق هذه القرارات.
ومع تواصل الاغتيالات تحولت حياة الضباط إلى جحيم، الذين فضّل بعضهم مغادرة المدن والتوجه إلى القرى النائية. كما أن بعضهم اختار البقاء في منزله. أما بعضهم الآخر حاول الخروج ومزاولة العمل، لكن دراجات الموت لاحقته. وسرعان ما تمدد اغتيال الضباط ليشمل محافظات حضرموت ولحج وصنعاء وغيرها.

في موازاة ذلك، نشطت دراجات الموت مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، في محاولة لإفشاله، من خلال تصفية بعض القيادات المنتمية إلى جماعة الحوثيين تحديداً، وجعلها سبباً في حينه،
لاتخاذ الجماعة خطوات جديدة في طريق الانقلاب، إذ كان واضحاً أنّ أي عملية اغتيال تطاول شخصاً ينتمي للجماعة أو مقرب منها تكون ممهدة لاتخاذ الحوثيين خطوة تصعيدية جديدة.

اقرأ أيضاً: اغتيالات عدن تهدد الترتيبات الأمنية في جنوب اليمن

فالطريق إلى إسقاط عمران في يد مليشيات الحوثيين، مرّ عبر دراجة نارية اغتالت القيادي في الجماعة، عبدالكريم جدبان، فيما يربط بعضهم بين التطورات التي أفضت إلى إسقاط صنعاء في العام الماضي وبين الاغتيالات التي طاولت أبرز القيادات المحسوبة على الجماعة سياسياً وأكثرها عقلانية داخلها. وكانت البداية باغتيال القيادي في الجماعة، أحمد شرف الدين، أثناء توجهه للجلسة الختامية لمؤتمر الحوار، في يناير/كانون الثاني من العام نفسه، لمنعه من الحضور كممثل للحوثيين، والتوقيع على مسودة الدستور. وأسفرت عملية اغتيال شرف الدين عن إفشال الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني، فيما جاء استكمال الحوثيين للانقلاب ووضع الرئيس هادي والحكومة تحت الإقامة الجبرية، عقب اغتيال عبدالملك المتوكل، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، قبل أن تطاول الاغتيالات الناشط الحقوقي البارز، عبدالكريم الخيواني، المحسوب على الجماعة.
وبعد الانقلاب الذي نفذه الحوثيون وصالح واحتلالهم صنعاء، خف بريق الدراجات النارية في صنعاء وفي عدن وغيرها، لتتحول في الحرب الأخيرة إلى وسيلة لنقل "المقاومين" وتأمين تحركاتهم بسبب عدم وجود وقود وعربات. كما أدت دور المنقذ لتحركات الناس في المناطق النائية في ظل الحصار وانعدام الوقود، وارتفاع أسعارها.
ومع الانتهاء من تحرير عدن، عادت الدراجات النارية للواجهة من خلال عودة الاغتيالات من مسلحين مجهولين بواسطة الدراجات النارية بالطريقة نفسها التي تم استخدامها من قبل وتحديداً ما بعد تنحي المخلوع صالح عن الحكم.
وخلال الأيام القليلة الماضية نفذت عمليات اغتيال ضد ناشطين في "المقاومة" وضباط، بواسطة الدراجات النارية، كان آخرها، يوم السبت الماضي، اغتيال العقيد طيار، عمد علي هادي، وهو قيادي في "المقاومة"، وذلك على الرغم من القرار الذي كانت السلطات في عدن قد اتخذته قبل أيام، الذي نص على منع استيراد الدراجات النارية ومنع التجوال لهذه الدراجات في شوارع عدن.
يشير مصدر أمني لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الدراجات النارية باتت تشكل أكبر خطر تواجهه الأجهزة الأمنية، ولا سيما أنها بقدر ما تمثل مصدر رزق لشريحة كبيرة من المواطنين وتغطي حاجتهم للتنقل نظراً لظروف اليمنيين المادية، إلا أنها باتت تستخدم لزعزعة الأمن والاستقرار، من خلال استخدامها في عمليات الاغتيالات السياسية، وتصفية ضباط الجيش والأمن".
ويلفت المصدر إلى أن استخدام الدراجات النارية في الاغتيالات "لا يضر فقط بالأمن والاستقرار وزيادة الاختلال الأمني وقتل الناس، إلا أنه يعرض أرزاق البشر للخطر. وهو ما حدث في أكثر من مرة في اليمن، منذ سنوات وحتى الآن، وآخرها خلال الأيام الماضية والتي جاء بسببها قرار منعها في عدن".
ويتخوف الشارع الجنوبي من عودة الاغتيالات في عدن ومدن الجنوب على نطاق واسع، ولا سيما أن الحوثيين والرئيس المخلوع قد يستغلون الفراغ الأمني، لتنفيذ تهديداتهم بتحويل المدن المحررة إلى جحيم. وتعززت هذه المخاوف بعد كشف استراتيجية مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع في تغيير مكان ولادة عناصرهم ونقلها من محافظات الشمال إلى الجنوب، فيما نفى تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب، يوم السبت الماضي، أن تكون له علاقة بالاغتيالات التي تشهدها مدينة عدن في الآونة الأخيرة.
لكن الخوف يمتد، أيضاً، إلى صنعاء في ظل الاستعدادات لتحريرها. وفي السياق ذاته، سبق أن أكد رئيس جهاز الأمن القومي اليمني، علي حسن الأحمدي، في تصريحات صحافية أن لديهم معلومات مؤكدة، أن مليشيات الحوثيين وصالح، شكلت فرقاً لتنفيذ اغتيالات وعمليات استهداف أمني في المحافظات، والمناطق المحررة أو التي سيتم تحريرها. وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية تبحث عمّن كلفوا تنفيذَ هذه العمليات، ولا سيما أنّ هذه الفرق ستبدأ مهمتها بعد تحرير المدن والمناطق.

اقرأ أيضاً: حادثة صافر تعيد ترتيب الأولويات: بيحان قبل مأرب وصنعاء

المساهمون