"المكان والعمارة": عبر معارف متنوّعة

12 اغسطس 2019
(مقطع من عمل للفنان السوري إدوارد شهدة)
+ الخط -

تعكس دراسة التخطيط الحضري لمعظم المدن العربية في العصر الحديث اضطراباً كبيراً في العلاقة مع المكان، حيث التوسّع العشوائي الذي يصبح الإنسان فيه عبئاً أو إضافة مشوّهة في مناطق سكناه، أو في عدم القدرة على تشكيل علاقة متصالحة مع التراث المعماري الممتدّ لمئات السنين.

"المكان والعمارة" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن "وكالة الصحافة العربية – ناشرون" للباحث والمعمار العراقي علي ثويني، الذي يتضمّن دراسة نظرية تتقاطع مع معارف متنوّعة في الفلسفة والرياضيات وعلم النفس والجغرافيا والاقتصاد والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع.

يشير المؤلّف في المقدمة إلى أن "العقلية الرعوية مكثت غالبة في الثقافة العربية عموماً، واخترقت الوسط الاجتماعي الحضري والفلاحي، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون قبل سبعة قرون، وعلي الوردي قبل نصف قرن، ووضعا تأويلات لآليات حركة التاريخ والمجتمع".

يضيف "تلك العقلية غير عابئة بالمكان، والسبب يعود إلى مبرر معاشي في البيئة العربية التي تتاخم البادية فيها المدينة والقرية، وتبتزها حتى تنقاد لها على مبدأ (الضحية التي تتقمصها روح الجلاد)؛ فالاستقرار يكبل البدوي ويحرمه من الترحال، بما يضمن له البقاء خلال بحثه الدائب وراء الماء والكلأ. وهنا يكمن سر التناشز الاجتماعي في ثقافتنا بين بدوي كاره وعابر وغير عابئ بالأمكنة، وبين تحضر متصاعد الوتيرة والمواءمة والحاجة والغلبة".

ويوضح أنه "مازال مفهوما الزمان/ المكان مدغمين في وعينا، ولم نصل إلى ردم فجوة بينهما"، مستشهداً بتجربة المعماري محمد صالح مكية (1914- 2015) حين أسّس كلية العَمارة في "جامعة بغداد" عام 1959، وأصر على أن يكون ضمن منهاجها درس الجغرافيا، لأن طلابها المؤهلين بأعلى نتائج وردوا من الفرع العلمي، الذي لم يدرّس الجغرافيا؛ فكيف يمكن أن يكون معمار ولا يعي خواص وحيثيات المكان كالموقع والاتجاهات والمساحة والأبعاد والبيئات.

يتناول ثويني مفاهيم عدة منها الفلسفة والعمران والعَمارة والمجتمع والنفس والبيئة والتراث والثقافة وسطوة الروح والمقدس، مع الوعي والإقرار بموقع المكان المركزي في الذاكرة التراثية، كونه يشكل بؤرة إنتاج الصور، والرموز التي تكيف سلوك الأفراد، وترسم ملامح استجاباتهم اللاحقة لانثيالات الذاكرة، فيتجلى الحنين اليه واستذكاره، متخطيا كل معطيات الراهن. وقد طرقنا شقي الهواجس المادية والروحية لطبيعة المكان المتماهية مع العَمارة التي تمثل أسمى سمات تلك العلاقة المخترقة لمجمل المنتج الإبداعي الإنساني.

يتضمّن الكتاب أربعة فصول، الأول "الزمان المكاني" في ثلاثة أقسام فرعية هي "المكان الاعتباري والفلسفي" و"المكان الحضري والتراث" و"المكان الحضري والمعماري"، والثاني بعنوان "المكان والروح" بثلاث أقسام فرعية ايضاً هي "عاطفة المكان" و"قدسية المكان" ثم "إعمار المكان في الإسلام"، والثالث بعنوان "المكان والوعي"، والرابع بعنوان "المكان الموروث".

دلالات
المساهمون