"المصوّر العراقي": كركوك كما يعرفها أبناؤها

14 نوفمبر 2014
(تصوير: أحمد بسّام)
+ الخط -

بعيداً عن بروباغندا الإعلام وتصريحات الساسة وروائح الدم والبارود، ثمة كركوك أخرى يجهلها الكثيرون. صورة المدينة كبؤرة للصراعات والنزاعات العرقية بين مكوّناتها المختلفة، دفعت عدداً من أبنائها المصوّرين، الذين يشكلون مجموعة "المصوّر العراقي"، إلى رسم صورة مختلفة لها عبر التركيز على التاريخ المشترك لأهلها وإنجازاتهم الحضارية، وتسليط الضوء على قصص تحكي عن عرب وأكراد وتركمان، مسلمين ومسيحيين، عاشوا فيها ونسجوا معالم هويتها.

المجموعة، التي تشكّلت عام 2011، قررت أن تأخذ خطاً يناقض أصوات الكراهية التي ترتفع هنا وهناك، لاقتناعها، كما يقول مؤسّسها، يعرب طلال فكتور، بأن "العراقيين سيتجاوزون ركام الحروب لأنهم شعب يحب الحياة ويحمل رسالة جمعت أبناءه منذ آلاف السنين على اختلاف انتماءاتهم".

وفعلاً، تُعتبر مدينة كركوك أحد أقدم المراكز الحضرية في بلاد الرافدين، وقد لعبت أدواراً حيوية في الحروب التي نشبت بين البابليين والآشوريين والأخمينيين والسلوقيين وغيرها من إمبراطوريات. وبالتالي، تضم بين جنباتها آثاراً تعود إلى حقب قديمة، من أبرزها قلعة المدينة التي يُرجع بعض المؤرخين بناءها إلى العهد الآشوري، إلى جانب المساجد والأسواق والكنائس والحمامات؛ ما يجعلها في نظر الكثيرين كنزاً أثرياً ما تزال بقاياه شاخصة حتى اليوم. أما هوية هذه الصروح فلا تختلف كثيراً في طرزها المعماري عما هو موجود في بغداد والموصل وسامراء وغيرها.

ورغم استخدامها التقنيات الحديثة في التصوير الفوتوغرافي، تبدو مجموعة "المصوّر العراق" مسكونة بهاجس المحافظة على أصالة الجذور الفنية في الأعمال التي تقدّمها. من هنا تركيزها، من زوايا فنية خالصة، على أنماط العمارة التقليدية والشواخص القديمة والمعالم الطبيعية في المدينة والبيئة الغنية بصرياً.

وفي هذا السياق، يقول المصور الفوتوغرافي إبراهيم العاني إن هوية المدينة التاريخية أصبحت مهددة اليوم بسبب غياب التخطيط الواضح والتوسع السكاني الكبير الذي تشهده، ملاحظاً أن كركوك تجسد حضارة وثقافة بلاد الرافدين، وبالتالي يمكن أن تشكّل نقطة التقاء لجميع العراقيين بدلاً من أن تكون فضاء نزاع. ويضيف: "أنا ورفاقي نقتنص في صورنا لقطات تحاكي تاريخ هذه المدينة التي شوّهت السياسة والحروب سمعتها؛ لقطات نطمح في أن تكون مرآة للواقع الكركوكي كما هو، بلا رتوش".

وفي عملها، تسعى المجموعة إلى إعادة استلهام وإحياء تجارب عدد من المصورين العراقيين الذين سبقوها، يتصدّرهم مراد الداغستاني (1917 ـ 1984) الذي يُعتبر من رواد الحداثة الفوتوغرافية في العراق والعالم العربي، وتتميز تجربته بالتركيز على التفاصيل الدقيقة لحياة الناس، واستثمار البساطة في إنتاج أعمال ذات قيمة فنية عالية.

ويشير المصوّر أحمد بسام طاهر إلى أن المجموعة، التي أقامت حتى الآن خمسة معارض جماعية، تحمل رسالة قد لا تصل بسهولة بسبب عوائق كثيرة، لعل أبرزها طبيعة المجتمع العراقي المحافظ، الذي ما زال جزء مهم من أفراده يعتقد أن في تصوير تفاصيل حياته اعتداء على خصوصيته الشخصية.

لذا يلجأ مصوّرو المجموعة الشباب إلى اقتناص لقطات سريعة من الواقع، أو التركيز على بورتريهات لشيوخ وأطفال، بما لا يثير حساسية الآخرين. وتشكّل المتاعب الأمنية هاجساً آخر لدى المجموعة، إذ تمنع الشرطة والأجهزة الأمنية التصوير في الأماكن العامة المفتوحة، وتطلب من المصوّر موافقة رسمية لمزاولة نشاطه، يستغرق الحصول عليها وقتاً طويلاً.

يقال إن "الصورة لا تكذب". ويبدو أنه لم يبق أمام العراقيين سوى صور من الماضي في خضم واقع مضطرب ومستقبل غامض الملامح، لعلها تشفي غليل شعب متعطش لسلام طال انتظاره.

المساهمون