صدر، مؤخّراً، عن "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر"، في بيروت، كتاب "المرأة من منظور النقد: دراسات في النقد العربي القديم" للأكاديمي والناقد العراقي جابر خضير.
يناقش الكاتب الصورة السلبية التي كوّنتها الثقافة العربية عن المرأة في مجمل موروثها، رغم حضورها اللافت فيه، وكيف شكّلت هذه الصورة جميع الجوانب المتعلّقة بها: الثقافية والمعرفية، والبيولوجية والسيكولوجية.
لم يبتعد خضير في قراءته في مفهوم المرأة والأنوثة في النقد العربي عن الأنساق التي أنتجت تلك المفاهيم، إذ يتحدّث عن الأنوثة بوصفها قيمة متدنّية في الخطاب النقدي، حديث يستمدّ شرعيته من خصوصية الثقافة التي أنتجت ذلك الخطاب، وهي ثقافة كرّست سلطة الذكر، وكأن تحقير الأنوثة "معنى نسقي جوهري" فيها.
يلفت إلى أن ضعف البنية الجسدية للمرأة قياساً ببنية الجسد الذكوري هو تصورٌ له الأثر الكبير في تشكّل النظرة الدونية إلى المرأة في الواقع السوسيوثقافي العربي، ما انعكس بشكل جلي في خطاب النقد عند العرب، وذلك بخلق مستويين للإبداع؛ الأول: الجزالة والقوّة الممتدّة من قوّة الجسد الذكوري، وذلك تحت معيار الفحولة الذي كان له الدور الكبير في خلق تصوّر مضاد ضمني له، وهو معيار الأنوثة الذي يمثّل المستوى الثاني والسلبي من مستويات الإبداع عند العرب، إضافة إلى التصوّر القار في عمق الثقافة العربية والمتمثّل في ضعف القدرة العقلية للمرأة، وما كان له من انعكاسات سلبية على حضورها في نصوص النقد العربية.
يبحث الكتاب، كذلك، في موضوع الغزل من خلال استجلاء المقاييس والمعايير التي صاغها النقّاد العرب لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في هذا المجال، وهي مقاييس تؤهّل المرأة لتتبوّأ سلطة رمزية على الرجل، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة البعد السيكولوجي الذي قدّره النقاد للرجل داخل إطار العلاقة العشقية.
خضير يحدّد علاقة المرأة بالسلطة من خلال الضعف الذي تعيشه وسط الخطاب الذكوري، فالدور المركزي للرجل في المجتمع العربي هيّأ له مجالاً واسعاً لممارسة سلطته على المرأة التي تُعدّ الفضاء الذي يمكن أن تتجلّى فيه هذه السلطة في أوضح تجلّياتها، وأن هذا الفضاء أدّى إلى تشكّل الخوف من المرأة باعتبارها تمتلك السلاح الذي تتمكّن به من إخضاع الرجل والسيطرة عليه، هذا السلاح هو جمالها الداعي إلى إثارة الرجل وانجذابه نحوها، وبذلك نفهم هذا التحذير الشديد في الثقافة العربية من الاغترار بالمرأة وعدّها فتنة تهدف إلى انهيار شرف الرجولة.
كما أشار المؤلّف إلى أن تكريس السلطة الممنوحة للمرأة كان يجري ضمن دائرتين: الإلغاء والمنع، وهما إستراتيجيتان اتبعهما النقّاد العرب لتكريس الطابع السلطوي الذي ينظّم العلاقة بين الرجل والمرأة في الرابطة العشقية.
وفي بحثه عن المرأة والإبداع الشعري، يتناول المؤلّف المسألة باعتبار المرأة منتجة للشعر، مستعرضاً الأسس والمعايير التي جرى على ضوئها استحضار شعر المرأة في نصوص النقّاد العرب، وذلك من خلال شاعرتين كان لهما حضور لا بأس به في النقد العربي في جانبيه النظري والتطبيقي: الخنساء وليلى الأخيلية.