ما يميز "المخدوعون" أنه الفيلم الذي لا يزال على لائحة المنع على الرغم من مرور أكثر من أربعين عاماً على إنتاجه. فهو عمل لم تحبذه أجهزة الرقابة العربية وفعلت ما في وسعها لدفعه بعيداً عن الجماهير، ما أسهم بالتالي في تغييبه عن أية قراءة نقدية منصفة. أُنتج الفيلم في سوريا عام 1972، إلا أن "المؤسسة العامة للسينما" اعتبرته دون مستوى الأفلام السورية في ذلك الوقت مفضلة وضعه على الرّف.
كما أن الفيلم، وبحسب مخرجه الراحل توفيق صالح (1926 - 2013) لم يعرض في مصر حتى الآن. فبعد عرضه التجريبي الأول في القاهرة، رفض السماح باستمرار العرض. يقول صالح "أنا لم أقرأ، لأكون صادقاً، أي نقد للفيلم".
الفيلم المأخوذ عن رواية "رجال في الشمس" (صدرت عام 1963) لغسان كنفاني يتناول حكاية ثلاثة فلسطينيين (أبو قيس، وأسعد، ومروان) ومهرّب هو أيضاً فلسطيني (أبو الخيزران). هؤلاء الأربعة لاجئون. أبو الخيزران سيقود الرفاق الثلاثة "الضحايا" في خزان ماء فارغ، لينتهي أمرهم موتى في علبة الخزان المعدنية تحت شمس الصحراء، وذلك لتأخر الحافلة لأسباب غير متوقعة في اجتياز الحدود إلى الكويت.
كثير من النقاد عالجوا الفيلم (أو الرواية) بصورة مجتزأة، إذ انغمسوا في تحليل أو تفسير الشخصيات الثلاثة مستبعدين في قراءتهم أبو الخيزران الذي وضعه كنفاني على ضفة أخرى من صورة البطل الكلاسيكي الفلسطيني، والذي يُشترط أن يحمل سمات ذكورية. فأبو الخيزران العاجز جنسياً والجشع، هو أيضاً شخصية أنتجتها تعقيدات القضية الفلسطينية، بما في ذلك الصعوبات الاجتماعية التي لاقت الفلسطيني في كل التفاتة له في الشتات العربي.
المخرج توفيق صالح كان قد أجرى أثناء كتابته للسيناريو، تعديلات على الرواية. أبرزها أن جعل الشخصيات الثلاثة تخبط على الخزّان في نهاية العمل. يقول: "وجدتُ وأنا أكتب السيناريو أنه أكثر إنسانية وأكثر بعداً عن أي سياسة أن يخبط الانسان قبل أن يموت".
الفيلم حصد جوائز عدة بينها جائزة مهرجان قرطاج 1972 والجائزة الأولى من مهرجان ستراسبورج لأفلام حقوق الإنسان 1973 والجائزة الأولى من المركز الكاثوليكي الدولي ببلجيكا 1973 إضافة إلى جائزة لينين للسلام من مهرجان موسكو عام 1973. لكن الفيلم بقي غريباً في أرضه، بعيداً ومُبعداً عن جماهير عربية كانت في صميم مشروع كنفاني وتوفيق صالح الذي رحل العام الماضي وفي قلبه وعلى لسانه غُصص كثيرة.