27 سبتمبر 2018
"المؤامرة" على إيران
مثل كل الأحداث حينما تقع، يجري الخلط في وقوعها بين السبب والنتيجة، حيث يميل بعضهم إلى تحويل النتيجة إلى سبب. وبالتالي، تغييب السبب الذي فرض وقوعها. ولا شك في أن خلف ذلك قصورا نظريا، أو ميولا مسبقة تفرض قلب الأمور. وهذا ما ظهر في الموقف من الحراك في إيران، وقبلها الثورات في البلدان العربية، حيث يرى بعضهم الأمور من منظور الواقع الدولي، وموقع الدول من العلاقة مع "الإمبريالية"، التي هي فقط أميركا.
في كل الأحوال، فرض انفجار الحراك الإيراني اتخاذ مواقف من قوى ودول. وهذا طبيعي، حيث تريد الدول الإفادة من الحدث، أو استغلاله خدمة لمصالحها، وهو الأمر الساري منذ أزمان طويلة. بالتالي، وهنا، فإن الحدث ذاته هو الذي فرض هذه المواقف على ضوء علاقة هذه الدول مع النظام في إيران، أو مصالحها التي تدفعها إلى الإفادة منه. لهذا، إذا تابعنا المواقف، في الأيام الماضية، سنلمس كيف أن المصالح هي التي فرضت المواقف، وهو ما يظهر في الانقسام بين الدول الكبرى والدول الإقليمية. حيث وقفت أميركا مع "الشعب الإيراني"، وكذلك فعلت السعودية والإمارات. لكن موقف روسيا مختلف، وأيضاً تركيا، وحتى فرنسا ومجمل الدول الأوروبية. وهناك دول كثيرة تنتظر مآل الحراك لكي تحدد مواقفها.
كانت أميركا، منذ وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، تضغط على إيران، وقرّرت "قصقصة" أذرعها، على الرغم من أنها لم تفعل أكثر مما كان يفعل الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي كان حريصاً على التفاهم مع إيران. لا شك في أن أميركا ستعمل على استغلال الحدث من أجل الضغط على النظام، وقد أعلنت (بالضبط كما فعلت في سورية) أنها تريد "تغيير سلوك النظام" وليس إسقاطه، وهي تعني ذلك بدقة لأنها لا تريد تفكّك إيران، حيث إنها مفصل مهم في حصار الصين و"حماية الخليج" كما تقرّر منذ أوباما. وبالنسبة لها، المطلوب هو حصر إيران في حدودها، والتفاهم معها في سياق السياسة العامة الأميركية. لهذا سوف تنشط "إعلامياً" في "دعم الشعب"، لكنها لن تقدّم أكثر من ذلك، وهذا "الدعم" سوف يكون ذا فائدة للنظام الذي سيشكك في الحراك، كونه "مؤامرة أميركية". بمعنى أن الدبلوماسية هي التي ستحكم الموقف الأميركي، والمناورة من أجل الوصول إلى توافق مع النظام بعد إضعافه، مع "حرق" الحراك الذي لا تميل أميركا إلى انتصاره. وفي كل الأحوال، هذا هو تكتيكها السوري، فيما عدا أنها في إيران تريد "التحالف" مع النظام، بينما قامت في سورية ببيعها الى روسيا.
تتمثّل مصلحة أميركا، إذن، في الاستفادة من الحدث، لترتيب العلاقة مع النظام الإيراني. ولكن السعودية والإمارات تعملان على أكثر من ذلك، حيث يطمحان نتيجة التنافس الحادّ في السيطرة على المنطقة في أن تتفكّك إيران، وأن "تتدمر" حتى، ولهذا يعملان على تشجيع حراك "الشعوب غير الفارسية"، ويمكن أن يدعما مجموعاتٍ إرهابية وسلفيين (ربما في مناطق البلوش). فما يهمها من كل ما يجري هو "نهاية لإيران"، والتخلص من شبح القوة التي تمتلكها. وهو الأمر الذي يدفعهما إلى "تبني" الحراك، وقيام إعلامهما بالنقل المستمر للتظاهرات.
في المقابل، تدافع روسيا عن حليف لها، وهي تعرف أن انتصار ثورة في إيران يعني القطيعة معها. أما تركيا فهي في "علاقة وثيقة" مع إيران منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، وساعدتها في مرحلة الحصار الأميركي، وكانتا في أجواء "محور الممانعة" (مع قطر). وعلى الرغم من الخلاف الذي ظهر في موقف كل منهما حول سورية فقد أُعيد ترتيب الأولويات، وباتا، مع روسيا، يشرفان على الحل في سورية. والعلاقة الاقتصادية بين البلدين متطورة. ولهذا ليس في مصلحة تركيا أن تحدث ثورة في إيران، وأن يسقط نظام الملالي. وهي أيضاً، كما روسيا، ترتعب من سماع كلمة ثورة، ولم تؤيد الثورات في البلدان العربية، حتى في سورية، حيث عملت على دعم طرفٍ لكي يكون بديلاً للنظام، بعد أن يئست من أن يقوم النظام ببعض الإصلاحات، وخافت من تدخل أميركي، وهو الأمر الذي جعلها تحاول فرض بديلها (المجلس الوطني آنذاك). ولا شك في أن قطر أميل لإيران، كما تركيا، خصوصاً أن هناك مصلحة مشتركة تجمعهما، هي التشارك في حقل نفطي في الخليج العربي. وقد باتت معنية أكثر باستمرار النظام الإيراني، بعد أن فتحت كل من السعودية والإمارات حرباً معها، وفرضت حصاراً عليها. لهذا ظهر واضحاً أنها تدعم النظام الإيراني، وإعلامها (على الرغم من إدّعاء المهنية) يبرّر للنظام، ويحاول الإيحاء بأن الوضع مستقرّ.
فرنسا، وربما ألمانيا وحتى بريطانيا (ويمكن الاتحاد الأوروبي) لا يميلون إلى دعم الحراك، ولقد رفضت فرنسا "التدخل الأميركي"، على الرغم من أن كل هذه البلدان تدين "قمع المتظاهرين". ولا شك في أن الاتفاق النووي فتح لها باباً للكسب الاقتصادي، حيث عقدت صفقات عديدة مع النظام الإيراني، وهي تريد أن يستقرّ الوضع، وأن تحصل على "أرباحها".
وبذلك، يظهر واضحاً تناقض المصالح بين كل هذه الدول، حيث يبدو نشوء محورين: أميركا والسعودية/ الإمارات من طرف، وروسيا وتركيا/ قطر وفرنسا (ربما دول أوروبية أخرى) من طرف آخر. وكل منهما يريد استغلال الحدث لتحقيق مصالحه، وكلها ترفض الثورات أصلاً، ولم تدعم الثورات في البلدان العربية، على الرغم من ادعاء بعضها بذلك. وهذه المواقف هي نتاج المصالح التي كانت توضح، منذ زمن، أن هناك دولا تطور علاقاتها مع
النظام الإيراني، وتعقد صفقاتٍ معه، وأخرى تخافه وتريد ليس سقوطه، بل أكثر من ذلك، أو تريد إضعافه كما تفعل أميركا، لكي تجعله حليفاً لها في منطقةٍ هي تحتاج إليه فيها في سياق إستراتيجيتها القائمة على "حصار الصين". هل منها من سيدعم الثورة؟ لا بالتأكيد، بل ستقوم بتشويهها، حتى التي تدعي دعمها. هذا ما حدث في الثورة السورية.
هل لذلك كله علاقة بمطالب المتظاهرين؟ لا بالتأكيد، حيث يطالب هؤلاء بالخبز والعمل والحرية، والتي هي نتاج الاقتصاد الليبرالي الذي أسسه نظام الملالي، والذي يسير فيه بشكل متوافق مع شروط صندوق النقد الدولي ممثل الطغم الإمبريالية، وهذا ما ظهر في ميزانية السنة الجديدة التي حملت زيادة كبيرة في الضرائب، مع زيادة الأسعار من دون ميلٍ إلى زيادة الأجور. وهذا ما بات يمارس في كل الدول التابعة. بالتالي، تقوم مطالب المتظاهرين، وهم من الفقراء أصلاً، على تجاوز النمط الاقتصادي القائم، وهذا ما يتناقض مع مصالح تلك الدول. حتى أميركا لا تقبل تحقيق مطالب هؤلاء، بالضبط لأنها أساس فرض الاقتصاد الليبرالي بكل وحشيته، كما يمارس في إيران. الأمر الذي يوضّح حدود "الدعم" الممكن من أميركا التي تريد، كما أشير، فقط الضغط على النظام من أجل "تتحالف" معه، أو يقبل التبعية لها، من دون أن يتخلى عن كل السياسات التي تسحق الشعوب في إيران. المطلوب منها أن تنسحب من "العواصم الأربع" التي تسيطر عليها، وأن تدخل في صفقةٍ مع أميركا تحدّد دورها في الخليج. هذا ما تريده الدولة الأكثر دفاعاً عن "مطالب الشعب". وبالتالي، كل الخطاب الإعلامي بلا معنى، وربما يهدف إلى تشويه الحراك بإعطاء الذرائع بأنه من فعل أميركي. هذا يفرح أميركا طبعاً التي تظهر أنها محرّك كل ما يجري في العالم.
أين وقف "اليسار الممانع"؟ هو يدافع منذ زمن (بعد الثورات في البلدان العربية فقط) عن نظام الملالي، بعد أن كان يتهم هذا النظام بتدمير العراق بالتحالف مع أميركا، ونسي ذلك الآن، فإيران بالنسبة له "ضد أميركا" (أو ضد الإمبريالية). لهذا تستحق الدعم، أما شعوب إيران فليس في قاموس هذا اليسار كلمة شعب إلا في الخطابات. وفي الواقع، ليس هناك وجود لهذه الكلمة. وهو ينطلق من "الصراعات العالمية"، حيث يكون من يبدو على خلاف مع أميركا "وطنياً"، و"ثورياً"، الأمر الذي يفرض عليه الوقوف معه والدفاع عنه. ولهذا وجد ذاته في هذا الحدث، ليس مع روسيا فقط التي يعتبر أنها تمثّل دولة مستقلة معادية لـ "الإمبريالية"، وقائدة قوى "السلم العالمي"، بل مع تركيا وقطر وفرنسا (بل أوروبا)، أي مع رأسمالية أخرى لا تختلف مع أميركا بشأن ضرورة سيادة الليبرالية في الاقتصاد. لكن بالأساس هذا "اليسار" يدافع عن نظام ليبرالي، مفرط في ليبراليته، وتحكمه رأسمالية مافياوية. إنه مع الرأسمالية المافياوية ضد الشعب، الشعب المفقر الذي يطالب بالعمل والخبز والحرية.
في كل الأحوال، فرض انفجار الحراك الإيراني اتخاذ مواقف من قوى ودول. وهذا طبيعي، حيث تريد الدول الإفادة من الحدث، أو استغلاله خدمة لمصالحها، وهو الأمر الساري منذ أزمان طويلة. بالتالي، وهنا، فإن الحدث ذاته هو الذي فرض هذه المواقف على ضوء علاقة هذه الدول مع النظام في إيران، أو مصالحها التي تدفعها إلى الإفادة منه. لهذا، إذا تابعنا المواقف، في الأيام الماضية، سنلمس كيف أن المصالح هي التي فرضت المواقف، وهو ما يظهر في الانقسام بين الدول الكبرى والدول الإقليمية. حيث وقفت أميركا مع "الشعب الإيراني"، وكذلك فعلت السعودية والإمارات. لكن موقف روسيا مختلف، وأيضاً تركيا، وحتى فرنسا ومجمل الدول الأوروبية. وهناك دول كثيرة تنتظر مآل الحراك لكي تحدد مواقفها.
كانت أميركا، منذ وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، تضغط على إيران، وقرّرت "قصقصة" أذرعها، على الرغم من أنها لم تفعل أكثر مما كان يفعل الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي كان حريصاً على التفاهم مع إيران. لا شك في أن أميركا ستعمل على استغلال الحدث من أجل الضغط على النظام، وقد أعلنت (بالضبط كما فعلت في سورية) أنها تريد "تغيير سلوك النظام" وليس إسقاطه، وهي تعني ذلك بدقة لأنها لا تريد تفكّك إيران، حيث إنها مفصل مهم في حصار الصين و"حماية الخليج" كما تقرّر منذ أوباما. وبالنسبة لها، المطلوب هو حصر إيران في حدودها، والتفاهم معها في سياق السياسة العامة الأميركية. لهذا سوف تنشط "إعلامياً" في "دعم الشعب"، لكنها لن تقدّم أكثر من ذلك، وهذا "الدعم" سوف يكون ذا فائدة للنظام الذي سيشكك في الحراك، كونه "مؤامرة أميركية". بمعنى أن الدبلوماسية هي التي ستحكم الموقف الأميركي، والمناورة من أجل الوصول إلى توافق مع النظام بعد إضعافه، مع "حرق" الحراك الذي لا تميل أميركا إلى انتصاره. وفي كل الأحوال، هذا هو تكتيكها السوري، فيما عدا أنها في إيران تريد "التحالف" مع النظام، بينما قامت في سورية ببيعها الى روسيا.
تتمثّل مصلحة أميركا، إذن، في الاستفادة من الحدث، لترتيب العلاقة مع النظام الإيراني. ولكن السعودية والإمارات تعملان على أكثر من ذلك، حيث يطمحان نتيجة التنافس الحادّ في السيطرة على المنطقة في أن تتفكّك إيران، وأن "تتدمر" حتى، ولهذا يعملان على تشجيع حراك "الشعوب غير الفارسية"، ويمكن أن يدعما مجموعاتٍ إرهابية وسلفيين (ربما في مناطق البلوش). فما يهمها من كل ما يجري هو "نهاية لإيران"، والتخلص من شبح القوة التي تمتلكها. وهو الأمر الذي يدفعهما إلى "تبني" الحراك، وقيام إعلامهما بالنقل المستمر للتظاهرات.
في المقابل، تدافع روسيا عن حليف لها، وهي تعرف أن انتصار ثورة في إيران يعني القطيعة معها. أما تركيا فهي في "علاقة وثيقة" مع إيران منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، وساعدتها في مرحلة الحصار الأميركي، وكانتا في أجواء "محور الممانعة" (مع قطر). وعلى الرغم من الخلاف الذي ظهر في موقف كل منهما حول سورية فقد أُعيد ترتيب الأولويات، وباتا، مع روسيا، يشرفان على الحل في سورية. والعلاقة الاقتصادية بين البلدين متطورة. ولهذا ليس في مصلحة تركيا أن تحدث ثورة في إيران، وأن يسقط نظام الملالي. وهي أيضاً، كما روسيا، ترتعب من سماع كلمة ثورة، ولم تؤيد الثورات في البلدان العربية، حتى في سورية، حيث عملت على دعم طرفٍ لكي يكون بديلاً للنظام، بعد أن يئست من أن يقوم النظام ببعض الإصلاحات، وخافت من تدخل أميركي، وهو الأمر الذي جعلها تحاول فرض بديلها (المجلس الوطني آنذاك). ولا شك في أن قطر أميل لإيران، كما تركيا، خصوصاً أن هناك مصلحة مشتركة تجمعهما، هي التشارك في حقل نفطي في الخليج العربي. وقد باتت معنية أكثر باستمرار النظام الإيراني، بعد أن فتحت كل من السعودية والإمارات حرباً معها، وفرضت حصاراً عليها. لهذا ظهر واضحاً أنها تدعم النظام الإيراني، وإعلامها (على الرغم من إدّعاء المهنية) يبرّر للنظام، ويحاول الإيحاء بأن الوضع مستقرّ.
فرنسا، وربما ألمانيا وحتى بريطانيا (ويمكن الاتحاد الأوروبي) لا يميلون إلى دعم الحراك، ولقد رفضت فرنسا "التدخل الأميركي"، على الرغم من أن كل هذه البلدان تدين "قمع المتظاهرين". ولا شك في أن الاتفاق النووي فتح لها باباً للكسب الاقتصادي، حيث عقدت صفقات عديدة مع النظام الإيراني، وهي تريد أن يستقرّ الوضع، وأن تحصل على "أرباحها".
وبذلك، يظهر واضحاً تناقض المصالح بين كل هذه الدول، حيث يبدو نشوء محورين: أميركا والسعودية/ الإمارات من طرف، وروسيا وتركيا/ قطر وفرنسا (ربما دول أوروبية أخرى) من طرف آخر. وكل منهما يريد استغلال الحدث لتحقيق مصالحه، وكلها ترفض الثورات أصلاً، ولم تدعم الثورات في البلدان العربية، على الرغم من ادعاء بعضها بذلك. وهذه المواقف هي نتاج المصالح التي كانت توضح، منذ زمن، أن هناك دولا تطور علاقاتها مع
هل لذلك كله علاقة بمطالب المتظاهرين؟ لا بالتأكيد، حيث يطالب هؤلاء بالخبز والعمل والحرية، والتي هي نتاج الاقتصاد الليبرالي الذي أسسه نظام الملالي، والذي يسير فيه بشكل متوافق مع شروط صندوق النقد الدولي ممثل الطغم الإمبريالية، وهذا ما ظهر في ميزانية السنة الجديدة التي حملت زيادة كبيرة في الضرائب، مع زيادة الأسعار من دون ميلٍ إلى زيادة الأجور. وهذا ما بات يمارس في كل الدول التابعة. بالتالي، تقوم مطالب المتظاهرين، وهم من الفقراء أصلاً، على تجاوز النمط الاقتصادي القائم، وهذا ما يتناقض مع مصالح تلك الدول. حتى أميركا لا تقبل تحقيق مطالب هؤلاء، بالضبط لأنها أساس فرض الاقتصاد الليبرالي بكل وحشيته، كما يمارس في إيران. الأمر الذي يوضّح حدود "الدعم" الممكن من أميركا التي تريد، كما أشير، فقط الضغط على النظام من أجل "تتحالف" معه، أو يقبل التبعية لها، من دون أن يتخلى عن كل السياسات التي تسحق الشعوب في إيران. المطلوب منها أن تنسحب من "العواصم الأربع" التي تسيطر عليها، وأن تدخل في صفقةٍ مع أميركا تحدّد دورها في الخليج. هذا ما تريده الدولة الأكثر دفاعاً عن "مطالب الشعب". وبالتالي، كل الخطاب الإعلامي بلا معنى، وربما يهدف إلى تشويه الحراك بإعطاء الذرائع بأنه من فعل أميركي. هذا يفرح أميركا طبعاً التي تظهر أنها محرّك كل ما يجري في العالم.
أين وقف "اليسار الممانع"؟ هو يدافع منذ زمن (بعد الثورات في البلدان العربية فقط) عن نظام الملالي، بعد أن كان يتهم هذا النظام بتدمير العراق بالتحالف مع أميركا، ونسي ذلك الآن، فإيران بالنسبة له "ضد أميركا" (أو ضد الإمبريالية). لهذا تستحق الدعم، أما شعوب إيران فليس في قاموس هذا اليسار كلمة شعب إلا في الخطابات. وفي الواقع، ليس هناك وجود لهذه الكلمة. وهو ينطلق من "الصراعات العالمية"، حيث يكون من يبدو على خلاف مع أميركا "وطنياً"، و"ثورياً"، الأمر الذي يفرض عليه الوقوف معه والدفاع عنه. ولهذا وجد ذاته في هذا الحدث، ليس مع روسيا فقط التي يعتبر أنها تمثّل دولة مستقلة معادية لـ "الإمبريالية"، وقائدة قوى "السلم العالمي"، بل مع تركيا وقطر وفرنسا (بل أوروبا)، أي مع رأسمالية أخرى لا تختلف مع أميركا بشأن ضرورة سيادة الليبرالية في الاقتصاد. لكن بالأساس هذا "اليسار" يدافع عن نظام ليبرالي، مفرط في ليبراليته، وتحكمه رأسمالية مافياوية. إنه مع الرأسمالية المافياوية ضد الشعب، الشعب المفقر الذي يطالب بالعمل والخبز والحرية.