"الكْريمي"... في وداع حكواتي البسطاء

18 يوليو 2020
("الكريمي" في إحدى الحلقات الشعبية بالمغرب)
+ الخط -

ليس خرّيج مدرسة بليخانوف، ولم يشارك في الثورة البلشفية. لم يكن محباً للينين ولا يعرف كارل ماركس. كل ما هنالك أن الحكواتي المغربي محمد بلحجام، المعروف باسم "الكْريمي"، ظل يصنع ابتسامات البسطاء في الأسواق والبوادي حتى استحق لقب "حكواتي البروليتاريا" بامتياز.

لكن اللافت في تجربة الفنان الذي غادرنا قبل أيام، في حادث مرور بينما يقود دراجته النارية المتواضعة والبسيطة بساطة شخصيته وروحه، أنه كان صديقاً لكثير من المثقفين في المغرب.

استقى "الكريمي" (1961) موضوعاته من واقع المجتمع وأمراضه ومفارقاته. حتى وهو يحلم بالمرور في التلفزيون الرسمي الذي يدفع ضريبته كأي مواطن مغربي، لم يكن يعلم أنه سيسكن في وجدان المغاربة دون وسيط يجعله قريباً من ذائقتهم.

"الحلقة"، المكان الأثير للفرجات الشعبية المغربية، فضاءٌ لا تخلو منه المدن والبوادي والمداشر والأسواق المغربية. هناك، كان "الكريمي" وآخرون يوزّعون فرجاتهم الساخرة، محاطين برواد الفن القريب من وجدانهم... محكيات وقصص ونوادر وعبر وأمثال وتفاعلٌ حي، وتوظيف للجسد وللسخرية، كلّها تجتمع ليتحوّل "الحكواتي" إلى فنان ساخر يمتلك القدرة على انتزاع البسمة والتفاعل من مريديه.

لم يترك "الكريمي" مكاناً دون أن يصل إليه، وخصوصاً المدن الهامشية والفضاءات البعيدة المكتضّة بالبسطاء. وكانت ميزته في ما يقدّمه جرأة مواضيعه واختياراته التلقائية في نسج الحكايات والنوادر.

تفاعلت فضاءات التواصل الاجتماعي بحزن بالغ مع رحيله الذي خلّف وراءه حسرة وأسى لدى كثير من متابعيه الذين لم تكن لهم القدرة على البحث عن فضاءات خاصة و"راقية"، فكان يأتيهم من بعيد وكانت شهرته تسبقه، وهو الذي ظل متنقّلاً بين جهات المغرب، مثلما كان يتنقل بين الحكي والتقليد والسخرية المرّة من الواقع الذي يشغل الناس.

لم يمتلك "الكريمي" إلا موهبته. كان يكفي أن يسمع الناس عن حلقة من حلقاته حتى يجتمعوا حولها، لأن لحظة البسمة مضمونة. على امتداد جغرافيات الفرجات المغربية، ظل الحكواتيون المغاربة أشد ارتباطاً بفضاء الحلقة، لأنها الأنسب لهم للقاء جمهورهم. لا يبدون كبير اهتمام بالمبنى المسرحي الذي لا يرون فيه الفضاء الأمثل لأدائهم الحي والتفاعلي.

مع التطور التكنولوجي، ساهمت فضاءات التواصل الاجتماعي، ولو بإمكانيات وتقنيات بسيطة، في توفير فيديوهات حية للعديد من رواد الفكاهة المغربية، بل تحولت إلى قنواتهم الشعبية للعبور إلى وجدان المتفرج المغربي.

يرحل محمد بلحجام دون أن يتمكن من لقاء الجمهور عبر تلفزيونـ(ه)، بل اكتفى بالصداقات التي نسجها عبر مسيرته الحافلة طيلة سنوات... يرحل وفي قلبه غصة بسبب عدم إنصافه، لكنه يجد العزاء في تلك المحبة التي توجته حكواتي الشعب وفنّانه بامتياز.

 

* كاتب من المغرب

 

المساهمون