تحنّ الجزائريات إلى الزمن الجميل في شهر رمضان؛ زمن السهرات الرمضانية الأسرية التي يسمونها "اللمة" أو"القعدة" أو"القسرة"، إذ كانت النساء يتزاورن كل ليلة عند إحدى الجارات، ويتفقن أين يكون الملتقى في اليوم التالي. يتسامرن حول أكواب الشاي وفناجين القهوة وصينية الحلويات التقليدية، التي تقدم في السهرة بعد صلاة التراويح.
تعترف كثيرات لـ"العربي الجديد" بأن القعدة الجزائرية صارت غريبة في بعض الأسر الجزائرية خلال رمضان، نتيجة التطور التكنولوجي وطغيان الدراما والمسلسلات التي تقدمها القنوات الفضائية، والتي تستقطب الملايين. لكن بشهادات آخرين هناك عائلات لا تزال تتمسك بـ"القعدة" النسائية لما لها من معان تختلف عن الأيام العادية، خصوصاً في الأحياء الشعبية مثل القصبة العتيقة ومنطقة البلدية، وفي حي السويقة"، العريق في منطقة قسنطينة.
وتقول السيدة مليكة لـ"العربي الجديد"، إن النساء يجتمعن للتسامر وتبادل أطراف الحديث حول صينية الشاي والقهوة وتزينها حلويات لا يمكن الاستغناء عنها في هذا الشهر الفضيل، "الزلابية" و"قلب اللوز" و"البقلاوة".
المثير في قعدة السهرة الرمضانية في عديد مناطق الجزائر هي أنها تكسر الروتين اليومي، وتعطي خصوصية للسهرات خلال شهر كامل، فيتجدد معها لقاء الأحباب والجيران وتزيل كل الشحناء بينهم. وتوضح السيدة نعيمة لـ"العربي الجديد"، أن تلك "القعدات الرمضانية" كثيراً ما أزاحت مشكلات مثارة بين الجيران قبل رمضان، وفيها يمكن إطفاء نارها وتعبيد الطريق أمام الصلح، مشددة على أن القعدة ما هي إلا وسيلة لإزاحة الهموم والتنفيس عن كرب الأيام الماضية.
تؤكد المتحدثة أن "القعدة خلال سهرة رمضان تعطي الطاقة الإيجابية للكثيرات"، خصوصاً اللائي لا يخرجن من بيوتهن، فيجدن في تلك الجلسة نوعاً من الترفيه اليومي.
كما تعتبر "البوقالة"، سيدة القعدة النسائية في رمضان الجزائر بلا منازع، إذ تتسامر النسوة حولها، وتتمثل في عبارات موزونة المعنى، ومن الشعر الشعبي والتراث الجزائري أو حكمة من الحكم، وتضع الفتيات الحاضرات خواتمهن في إناء من الطين، ثم تسحب أكبر السيدات الحاضرات سناً أي خاتم، عندها يبدأ سرد "البوقالة" التي تعقد النية للفتاة التي يسحب خاتمها بأن تهدى لها "البوقالة".
وتبدأ البوقالة بالقول "باسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت وعيّطت يا خالقي يا مغيث كل مغيث يا رب السماء العالي"، وغالباً ما تحمل البوقالة إسقاطاً لمعاني الحب والأمنيات لكل فتاة بفارس أحلامها، ما يثير فرحة الفتيات الجالسات حول صينية الشاي طوال السهرة.
يرى كثيرون أن القعدة كانت الترفيه الوحيد عند "ناس زمان" في الجزائر، وأن البوقالة عروس تلك اللمة خلال زيارات العائلات والجيران من أجل قضاء وقت ممتع عقب صلاة التراويح، ولكن المسلسلات والبرامج الترفيهية طغت على القعدة، وباتت تفرض نفسها عليها، في حين تبقى تلك "القعدات" مثار فرح لكل من يتذكرها أو يحكي عنها أو يحاول إحياءها في شهر رمضان.