كما كان متوقعاً على نطاق واسع، قرر مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تثبيت الفائدة على الدولار عند مستوياتها، بين 2.25% و2.5%، مشيراً إلى وجود بعض العلامات المقلقة في مؤشرات الاقتصاد خلال الربع الأول من العام الحالي، ومنها تباطؤ إنفاق الأسر والإنفاق الرأسمالي للشركات.
وفي بيان للبنك بعد الإعلان عن قراره الأربعاء، عبّر مسؤولو لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في البنك عن اهتمامهم بمعدل النمو الذي فاق التوقعات خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام، إلا أنهم حذروا من التأثيرات السلبية لاستمرار تراجع معدل التضخم الأساسي في الفترة الأخيرة.
وأعلنت وزارة التجارة الأميركية الجمعة الماضي أن الاقتصاد حقق معدلاً للنمو يفوق كل التوقعات خلال الربع الأول من 2019، مسجلاً 3.2% سنوياً.
واعتبر خبراء، ومنهم الاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان أن الأرقام، بالإضافة إلى شدة الانحدار الطبيعي لميل منحنى العائد على السندات الأميركية، تشير إلى استبعاد حدوث ركود قرب نهاية العام، كما كانت التوقعات قبل فترة.
لكن ظهور بعض البيانات أخيراً أكد أن معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطعام والطاقة المتذبذبة، انخفض عن مستواه المستهدف للبنك الفيدرالي، وهو 2%، الأمر الذي اعتبره مسؤولو البنك مهدداً للنمو الاقتصادي في حال استمراره.
وأظهرت بيانات حكومية حديثة انخفاض معدل التضخم الأساسي السنوي إلى 1.6% فقط في مارس، بعد أن كان 2% في نهاية 2018. وانخفض أيضاً مؤشر أسعار إنفاق الأفراد الاستهلاكي، أحد مؤشرات التضخم الإجمالي، خلال الربع الأول ليصل إلى 0.6%، بعد أن كان 1.5% في الربع السابق.
وفي مؤتمر صحافي في أعقاب إعلان البنك قراره تثبيت معدلات الفائدة، قال جيرومي باول، رئيس البنك الفيدرالي، إن "مسؤولي البنك يشتبهون في أن الانخفاض الأخير للتضخم من المرجح أن يكون عابراً، ولو ثبت عدم صحة هذه النظرة، واستمر الضعف الأخير في ضغوط الأسعار (أي التضخم)، فهذا سيكون شيئاً نشعر بالقلق إزاءه".
وأظهر العريان، في تغريدة على تويتر، تعاطفه مع رئيس البنك، معتبراً أن كلمة "عابراً" هي التي أربكت الأسواق في بيان باول، وتسببت في تحويله من "غير مؤثر" إلى "محرك للأسواق بصورة ملحوظة".
واعتبر المستثمرون أن الكلمة تعني توقع الفيدرالي ارتفاع معدل التضخم لاحقاً، وهو ما يضعف فرص تخفيض معدلات الفائدة، وربما يؤدي إلى زيادتها، الأمر الذي تسبب في إحداث بعض الخسائر في الأسهم الأميركية بعد سماع البيان.
وشبه باول انخفاض التضخم الحالي بانخفاضه المؤقت في أوائل 2017، مشيراً إلى انخفاض أسعار الخدمات المالية والملابس أخيراً، في إشارة إلى استبعاد استمراره.
لكن مركز الأبحاث الشهير كابيتال ايكونوميكس يرى أن انخفاض التضخم أوائل العام الماضي كان بفعل انخفاض أسعار خدمات الهواتف المحمولة في لحظة معينة، وهو ما حال دون استمراره بعدها. "أما انخفاض التضخم الحالي، فيرجع إلى انخفاض تكلفة الخدمات، بفعل تراجع نمو تكلفة وحدة العمل" بحسب كابيتال ايكونوميكس.
ويقول بول أشوارث، كبير الاقتصاديين المختصين بأميركا: "لو صحت توقعاتنا، واستمر ضعف معدل التضخم الأساسي، سيجد مسؤولو البنك الفيدرالي أنفسهم مجبرين على تخفيض معدلات الفائدة".
وانتقد ريك رييدار، العضو المنتدب ومسؤول الاستثمار العالمي لأدوات الدخل الثابت، بشركة إدارة الاستثمار الشهيرة بلاك روك تركيز الفيدرالي اهتمامه على التضخم، معتبراً أن الطريقة التي يتناول بها البنك موضوع التضخم "من شأنها أن تؤثر في الأسواق".
وقال رييدار إنه لا يعتقد أن التضخم لا تزال له الدلالة نفسها التي كانت من قبل، مضيفاً: "نحن نعيش في بيئة تنخفض فيها أسعار السلع الأساسية بسبب التقدم التكنولوجي والعولمة".
ونصح البنك الفيدرالي بالتركيز على الناتج المحلي الإجمالي بدلاً من التضخم "طالما ارتفع معدل النمو فوق معدل التضخم، فلا حاجة لدفع التضخم إلى أعلى".
ومع استمرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ممارسة ضغوطه على البنك الفيدرالي لتخفيض معدلات الفائدة، توقع البعض أن يظهر في بيان البنك الأربعاء أي إشارات لتخفيض معدلات الفائدة، خاصةً أن الاجتماعات، التي استمرت على مدار يومين، أتت في أعقاب تعليقات في هذا الاتجاه من بعض المشاركين في وضع السياسة النقدية في واشنطن.
وقبل أسبوعين، قال تشارلز ايفانز، رئيس البنك الفيدرالي في شيكاغو، إن البنك "قد يفكر في تخفيض معدلات الفائدة لو أزعجنا التضخم"، موضحاً أن ذلك قد يحدث عند وصول معدل التضخم الأساسي إلى 1.5%.
وضرب ريتشارد كلاريدا، أستاذ الاقتصاد والشؤون الدولية بجامعة كولومبيا، ونائب رئيس البنك الفيدرالي، في مقابلة مع شبكة سي ان بي سي الاخبارية، المثل بما فعله البنك الفيدرالي من خطوات احترازية، بتخفيض معدلات الفائدة في عامي 1995 و1998، الأمر الذي اعتبر وقتها "تخفيضات تأمينية"، على الرغم من عدم وجود مخاوف من الركود.
ورفض باول خلال المؤتمر الصحفي الاستجابة إلى محاولات الصحفيين استدراجه للتحدث عن احتمالات تخفيض معدلات الفائدة والمدى الذي يمكن أن تصل إليه.