"الغزل والنسيج"في سوريا..الآلات تهاجر والعمال يحاصرهم الفقر

01 مايو 2014
صناعة النسيج السورية تضررت بسبب الحرب (لوبيز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

 
تركتُ مصنعي للدمار، ولن أقبل أن يقتلعني أحد من محافظتي، عن أية مناطق آمنة يتحدث النظام؟! لا توجد منطقة آمنة في كل الأراضي السورية "، قالها أحمد . ف، صاحب معمل نسيج في حلب، معبّراً عن حال صناعة الغزل والنسيج في سوريا.

الصراع الدائر هناك تسبب في انهيار أقدم الصناعات في سوريا، والتي تعود بتاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، بحسب بعض المصادر التاريخية، حيث شكلت صناعة النسيج، العمود الفقري للصناعة السورية على مدى عقود، رغم تراجعها في عهد "البعث" نتيجة سياسات التأميم، إذ كانت تسهم، بحسب بعض الإحصائيات، بنسبة 46.6% من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي، و8% من مجمل الصادرات، وتشغل 30% من حجم القوة العاملة في الصناعة، كما وصل عدد منشآتها الصناعية إلى أكثر من 24 ألف معمل من جميع الأحجام، معظمها في حلب وضواحي العاصمة دمشق، إضافة إلى عدد من الشركات المصنعة غير المسجلة.


ويحتل القطاع الخاص في سوريا الجزء الأكبر من هذه الصناعات، في حين، يوجد  27 شركة غزل ونسيج، تابعة للقطاع العام (المؤسسة العامة للصناعات النسيجية)، موزعة كفروع على أنحاء القطر، تختصّ بإنتاج الخيوط بأنواعها المختلفة، إضافة إلى صناعة الأقمشة القطنية، والحريرية، والصوفية، والسجاد، وغير ذلك.

ورغم وجود المنشآت الصناعية النسيجية على كامل مساحة سوريا، كانت محافظة حلب تحظى بحصة الأسد، بوجود نحو ألف منشأة مسجلة في (غرفة صناعة حلب)، مختلفة الحجوم، بين شركات كبيرة ومعامل صغيرة.


بداية التضرر
مع بداية الأحداث التي شهدتها حلب، وتحديداً في نهاية عام 2012، كان القطاع الصناعي عموماً المتضرر الأكبر، فيما طالت الأحداث قطاع الغزل والنسيج تحديداً، مع حرق مصنع "العلبي"، والذي كان المصنع الأكبر على مستوى حلب،ومع اتساع رقعة الاشتباكات في المدينة، ووصولها إلى منطقتي (الشيخ نجار، وعين التل)، حيث تتركز معظم معامل الغزل والنسيج، وجهت الضربة القاصمة لهذه الصناعة.

من جهتها كشفت (غرفة صناعة حلب)، في بيان صادر عنها أواخر عام 2013، عن أن خسائر القطاع النسيجي فاقت 300 مليار ليرة سورية. وفيما طلبت أجهزة النظام حينذاك، من أصحاب هذه المصانع نقل مصانعهم إلى مناطق، وصفتها بالآمنة، دون تحديد وجهة هذه الأماكن، رأى معنيون في حلب أن الأماكن المقصودة هي المحافظات الساحلية، وتحديداً اللاذقية. إلا أن معظم أصحاب المصانع رفضوا هذا الطلب، وتحدث بعضهم عن نيات مبطنة للنظام من وراء هذه الخطوة.


المدينة الصناعية
تبلغ مساحة هذه المدينة 4412 هكتارا، وتعتبر الأكبر مساحة وإيراداً أيضاً على المستوى الصناعي السوري ككل، وقد وصل حجم عائداتها عام 2011 إلى 1138 مليار ليرة سوريا، وذلك وفق معطيات نشرتها إدارة المدينة آنذاك.

تسيطر قوات المعارضة حالياً على هذه المدينة، وتدور اشتباكات يومية بمحاذاتها، في حين تصبُّ آلة النظام العسكرية براميلها المتفجرة وقذائف مدفعيتها يومياً على المدينة، بحسب مصادر المعارضة، مما استحال معه استمرار دوران العجلة الإنتاجية للمدينة، التي تحول جزء كبير منها إلى أنقاض. وتقدر مصادر المعارضة العسكرية حجم الدمار فيها بأكثر من الربع من إجمالي بنيتها التحتية.

يقول المدير المعاون لإدارة المشاريع الإنتاجية في المدينة الصناعية التابعة للمعارضة، محمود ناصر: "أغلب أصحاب المصانع أفرغوا مصانعهم من محتواها، وما تبقى من هذه المصانع، إما تعرض للقصف، أو للنهب."


صاحب أحد مصانع الغزل، فضل عدم ذكر اسمه خوفاً، على حد تعبيره، حمل مسؤولية نهب مصنعه لقوات المعارضة، ويقول: "أعرف من قام بنهب مصنعي، لكنني لا أستطيع التقدم بشكوى ضدهم، لأني أخاف بطشهم".

ويفيد القائد العسكري في صفوف "الجبهة الإسلامية" التابعة للمعارضة، أبو أسامة، عن تشكل مجموعات من اللصوص والمرتزقة، لا علاقة لها بالثورة، لكنهم لصوص استغلوا حالة الفوضى الناشئة لنهب أموال الأهالي فقط، ويضيف: "سوف يأتي يوم تقوم فيه الدولة لتحاسب كل من أساء وسرق، وأخذ مالاً بغير وجه حق".

لكن معلومات كثيرة تؤكد، بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، مسؤول عن نهب وسلب معظم مصانع المدينة الصناعية في حلب، على اعتبار أن التنظيم كان من بين الفصائل العسكرية، التي كانت متواجدة في هذه المدينة حين توقفت جميع مصانعها عن العمل. كما قام عدد كبير من أصحاب هذه المصانع بترحيل معداتهم إلى بلدان مجاورة، وغير مجاورة، مثل تركيا ومصر، وغيرها، لكن تغيب الإحصائيات الرسمية لعدد المصانع التي تم ترحيلها.

يقول صاحب أحد المصانع، أبو بكر الرفاعي: "نقلت خط الإنتاج إلى تركيا، وبدأت بالعمل هناك بمساعدة الحكومة التركية، التي تقدم لنا ميزات جيدة وتسهيلات كي ننطلق بعملنا من جديد."

من جانبه، كشف المدير الإعلامي لأحد المعابر السورية مع تركيا، حسين، عن تقديرات تشير إلى أن عشرات المصانع، قد نقلت فعلا إلى الأراضي التركية، بينما تفيد مصادر محلية وشهود عيان، عن نقل كميات كبيرة من القطن الخام في شاحنات إلى الأراضي التركية، وبشكل يومي.


 العمال هم الضحية الأكبر!
يقول الخبير الاقتصادي، منذر محمد: "إن الخسارة الكبرى للقطاع النسيجي في حلب، هي الأعداد الضخمة من العمال المؤهلين جيداً، والذين كانوا يشكلون قرابة 25% من حجم القوة العاملة في هذه المدينة."

يوضح منذر، "أغلب أصحاب رؤوس الأموال هاجروا إلى بلدان مجاورة، وقصد بعضهم جمهورية مصر العربية، وبالتالي هم قادرون على بداية نشاطهم من جديد، ولا أنفي تضررهم، لكن المتضرر الأكبر هم هؤلاء الفقراء".


سيف الدين نعمة، كان يعمل في مصنع للألبسة القطنية في حلب، أغلق المصنع أبوابه، وانتقل صاحبه إلى مصر. تقطعت بـسيف الدين نعمة السبل، حتى وصل به الحال إلى أن تحول إلى بائع خضار على عربة يدفعها في شوارع مدينة حلب شبه الخاوية. يقول  "هاجر صاحب المصنع، دون أن يكلف نفسه حتى الاتصال بنا، لقد أمضيت عشرين عاماً في العمل لديه، والآن هذا حالي".

أما نضال خطيب، العامل في أحد مصانع النسيج أيضاً، فقد قرر السفر إلى تركيا للعمل هناك، بعد أن تم تدمير المصنع الذي كان يعمل فيه، مع استحالة تأمين أية فرصة عمل في الداخل السوري.

 سيف الدين ونضال، يختصران صورة مصغرة، عن حالة عمال حلب، وربما سوريا وأهلها، وما يعانيه هؤلاء من فاقة تتسع يومياً في هذا البلد المنكوب.