من صالات المعارض الكبرى إلى المجمعات السكنية في الضواحي، من المسالخ إلى السجون، من المستوطنات غير الشرعية إلى القصور الحكومية، من معسكرات الاعتقال إلى الجدران العازلة، من قصف الآثار والأحياء على سكانها وحتى بناء الأبراج مكان البيوت القديمة، كل ذلك يشي بالعلاقة بين العمارة والعنف؛ سواء كانت الأولى متعرضة للثاني أو مكاناً يضفي الشرعية على العنف والسلطة والعقاب.
ليس هذا فقط، بل إنه ومنذ اندلاع ما يسمى بـ "الحرب على الإرهاب"، إثر أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وما تبعها من تفجيرات لندن وقطارات مدريد والتفجيرات اليومية في بغداد وصولاً إلى الحربين المدمرتين في سورية واليمن والأحداث الدامية في ساحات وشوارع القاهرة؛ كل هذا فرض وعياً معمارياً جديداً، من حيث أن العنف يفرض منهجية جديدة للتفكير في العمارة والهيمنة والسلطة والديكتاتوريات.
في الأوقات المضطربة اليوم، تجدر دراسة التفاعلات بين العنف والبيئة المبنية، حيث يكشف تاريخ عصرنا المتناقض حقيقة أنه من المستحيل اعتبار العمارة مجرد ضحية سلبية لعنف الإنسان والسلطة، بل إن الفضاء المبني (العمران) قادر على تجسيد الأعمال العنيفة مثلما هو قادر على سنها وتسهيلها.
كثير من المفكرين المعماريين في النظرية المعمارية المعاصرة بنوا فلسفاتهم حول تعقيدات العلاقات المتبادلة بين الهندسة المعمارية والأحداث العنيفة، وفي هذا السياق، تنطلق ندوة "العمارة والعنف" التي ينظمها "معهد كورتولد للفن" في لندن يوم الأربعاء المقبل، 29 من الشهر الجاري.
يشارك في الندوة كل من المعماريين الباحثات والباحثين في معهد كورتولد: سوزان بابي، وإميلي مان، وستيفن وايتمان، وغيدو ريبيشيني، وكريستين ستيفنسون.
تأتي الندوة، وفقاً للقائمين عليها، كرد فعل على تهديدات الرئيس الأميركي رونالد ترامب بتفجير المواقع الأثرية في إيران، حيث يقدم المؤرخون المعماريون في المعهد "رؤية طويلة" حول تدمير العمارة والتراث، ويناقشون في أوراقهم تاريخ الأيقونات، والهندسة المعمارية، والذاكرة، والعنف والتجديد، والتدمير المعماري منذ القرن السادس عشر حتى الوقت الحاضر.