يقيم "معهد الدراسات القبطية" في القاهرة، طيلة نهار اليوم، النسخة الأولى من "الملتقى العلمي للعمارة القبطية" بمشاركة باحثين وأكاديميين مصريين، حيث تناقش الندوات الإطار التاريخي والفني للعمارة في الحقبة المسيحية المبكرة، ومفهوم العمارة المسيحية، ومؤثرات الثقافات الأخرى عليها، وصدى ذلك على العمارة والبازيليكا، لتنتقل تالياً إلى العمارة القبطية المعاصرة وما طرأ عليها من تحوّلات.
يلقي المحاضرة الأولى المعماري سامح عدلي؛ حيث يقدّم دراسة مقارنة بين برية شيهيت وبرية الأساس، فالأولى والتي تعرف أيضاً بوادي النطرون تقع على الأطراف الشمالية الشرقية للصحراء الغربية المصرية في منتصف الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرة والإسكندرية.
المنطقة تضم أربعة أديرة، يناقش الباحث تصميمها، إذ أنها تنتمي إلى حقب مختلفة؛ وهي دير الأنبا مقار، ودير الأنبا بيشوي، ودير البراموس، ودير السريان. علماً أن هذه المنطقة كانت تضمّ حوالي 700 دير في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي.
أما برية الأساس، التي وضع عدلي عنها دراسة موسعة سابقاً، فتمتد فى سلسة الجبال غربي نقادة في محافظة قنا، وتعتبر من أهم مواطن الرهبنة القبطية فى صعيد مصر وتعود إلى القرن السادس الميلادي. تضم نقادة ثمانية أديرة وكنيسة من بينها: دير الملاك، ودير مار جرجس، وكنيسة مار يوحنا، ودير مار بقطر وغيرها.
المحاضرة الثانية يلقيها الأكاديمي طانيوس ألفونس عن "القيم البيئية في عمارة الأديرة القبطية"، حيث أن العمارة القبطية ظهرت وتبلورت كنتاج شعبي، فلم يبنها معماري متخصص، ونظراً لوجود الأديرة في مناطق ذات مناخ صحراوي قاري، لجأ الرهبان إلى تطبيق معالجات بيئية عمرانية ومعمارية.
يناقش ألفونس الطرق التي لجأ إليها الرهبان للحفاظ على الطاقة ودرجة الحرارة داخل المباني، بسبب ندرة وسائل التدفئة شتاءاً وطرق التهوية الطبيعية صيفاً، حيث تعبّر هذه المعالجات عن بعض مظاهر عمارة الصحراء. من هذه الآليات التي يناقش المحاضر تطورها؛ تجميع المباني في مجموعات ذات كثافة بنائية عالية، زراعة أشجار كثيفة من الناحية المقابلة للفراغ كساتر للمباني، بناء الأسوار العالية لتصبح كاسرات للرياح، دراسة سمك الجدران، بناء ممرات مكشوفة ضيقة، ابتكار وسائل للعزل الحراري وغيرها.
تتحدّث المحاضرة الثالثة حول "مفهوم تصميم الكنيسة القبطية بين التراث والتشكيل" ويلقيها المعماري هشام فاروق فارس، إذ يتطرّق فيها إلى المؤثرات التي ميّزت الكنيسة القبطية عن غيرها. فحين بدأ تشييد الكنائس في في القرن الرابع الميلادي، كانت تبنى على الطراز البازيليكي، ثم أُدخلت عليها عليه بعض التعديلات مثل بناء القباب بأحجار كبيرة منحوتة ومحلاة بنقوش بارزة، وفي القرنين الخامس والسادس كانت الكنائس تشبه المعابد الفرعونية، مستطيلة وتضم رموزاً مسيحية ونقوشاً فرعونية في الوقت نفسه.
أما المحاضرة الأخيرة، فيلقيها الأكاديمي شريف مرجان بعنوان "عمارة الكنائس القبطية الأرثوذكسية المعاصرة ونموذج تحليلي لتصميمات الكنيسة التي تجمع بين التقليدية والمعاصرة"، حيث يسلط الضوء على التغيّرات التي عرفتها العناصر المعمارية الطقسية في الكنيسة الحديثة مثل الحجاب، وصدر صحن الكنيسة، ودرج الكهنوت، والمذبح، ومقصورة الاعتراف، وغيرها من التفاصيل.
على الرغم من أهمية الملتقى، لكن انعقاده في الفترة الحالية، تتزامن مع ارتفاع صوت العنف والتطرّف، خاصة ضد الأقباط، يوحي بأن القائمين عليه يؤكدون على الهوية القبطية كجزء مكوّن بل وأساسي من التاريخ المصري، أمام هجمة التطرف والإقصاء وأشكال العنف التي تعرفها مصر اليوم، والتي قد تكون الثقافة أحد طرق مواجهتها.