"العقل العربي": عودة إلى صراعات العصر العباسي

20 اغسطس 2018
شاكر حسن آل سعيد/ العراق
+ الخط -

في كتابه "محطات في حركة التنوير الأوروبية" (2017) الصادر عن "دار ابن رشد" في القاهرة، يحلل الباحث اليمني عبد الله إسحاق دينامية التحولات البنيوية ومستوياتها ابتداء من القرن السادس عشر في أوروبا، وما راففها من حركات اجتماعية واقتصادية ودينية وسياسية، واستكشافات جغرافية وفتوحات استعمارية، وثورة صناعية قادت منذ نهاية القرن الثامن عشر إلى قيام الثورة الفرنسية وصعود البرجوازيات الوطنية.

عن دار النشر نفسها، صدر حديثاً الكتاب الثاني للباحث بعنوان "العقل العربي: التيارات الفكرية ومآلاتها في الشرق العربي"، الذي يعود إلى اللحظة التي غلب فيها أصحاب العقل النقلي وأصبحوا التيار السائد في العصر العباسي، خاصة بعد "محنة القرآن" في عهد الخليفة المأمون.

وشكّل أصحاب علم الكلام وعلى الأخص المعتزلة قديماً والتنويريين حديثاً، بحسب مقدّمة الناشر، الفريق المناصر للاتجاه العقل النقدي، الذي يتعقل النصوص من خلال وجوب التوافق بينه وبين الواقع، واستبعاد كل ما يتعارض من النص مع العقل، أو في أدنى الأحوال، إعادة تأويله، إلا أن الشرارة التي يطلقها هذا الفريق سرعان ما يتم إطفاؤها على يد الفريق الثاني المنتصر لسلطة النقل.

يبحث إسحاق في الصراع الدائر بين التيارين، وكيف خلّف إشكالية أكبر وأعمق تتمثّل في "إعادة إنتاج التأخر التاريخيّ" مجدداً بأدواتٍ جديدةٍ وبيئة خطابٍ جديدة. فمنذ النصف الأول من القرن التاسع عشر ساد في الفكر والثقافة العربية المعاصرة خطابان فكريّان، خطاب النهضة الذي بدأ مع جمال الدين الأفغاني، ومع محمد عبده الذي بحث عن حلول لمشاكل المجتمع العربي في الفكر الإسلاميّ والتراثيّ فكان خطاباً في النهضة الإسلامية، إلى جانب خطاباً تراثي ماضوي مؤسساً للسلفية الفكرية المعاصرة.

ويتناول الكتاب خطاب الحداثة مع كتابات شبلي شميل وسلامة موسى ومحمد عابد الجابري وعبد الإله بلقزيز وأجيال متعاقبة من رواد الحداثة العربية، وخطاب الحاكمية في أفكار حسن البنا وسيد قطب، موضحاً أن هذه الأجيال المتعاقبة بين رواد النهضة والحداثة ودعاة السلفية الفكرية الخلافات الفكرية قد انعكست على شكل الدولة والمجتمع في الثقافة العربية المعاصرة.

يرى الكاتب أن السلطة لعبت في كثير من الأحيان دوراً جبروتياً طاغياً في تشكيل العقل العربي، ليس العقل السياسي الإسلامي فحسب بل العقل الجمعي للإسلام العام، وهذه الإشكالية تكمن في معظم المعضلات التي تثخن العقل العربي الإسلامي بالنتوءات والعقم على مستوى العقيدة والفكر والعلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع بل وعلى المستوى السيكولوجي تجاه الفن والجمال ومباهج الحياة.

ويخلص إسحاق إلى أن "العقل العربي المسلم صار أسيراً للفعلين معاً لفعل السلطة في التاريخ؛ أي تاريخ السلطة، ولفعل التاريخ في العقل؛ أي سلطة التاريخ، فأمَّا تاريخ السلطة فقد أورث هذا العقل خضوعاً شبه كلي لنظام السلطة بالمعنى المطلق وأما سلطة التاريخ فقد أورثته خضوعاً شبه كلي للماضي بالمعنى المطلق كذلك.

المساهمون