"العربي الجديد" يوثق اعترافات قتل واغتصاب ارتكبها جنود عراقيون بالموصل... وبروباغندا مضللة
مراسل "العربي الجديد" كان العربي الوحيد بين المراسلين البالغ عددهم 7 أميركيين وبريطانيين وآسيويين، وهو سبب كافٍ لكي يتبادل الضابط المحمداوي وزملاءه الحديث بحرية حيث كانوا يعتقدون أن جميع من في السيارة صحافيون أجانب، لا يعرفون العربية؛ وكانت هذه الشاحنة تجري بإشراف العقيد الذي يتولى نقل الأجانب من الصحافيين إلى المناطق المحررة في الموصل لالتقاط الصور وإجراء حوارات مع الجنود والأهالي هناك.
بدأ الضباط الثلاثة الحديث من حيث انتهوا قبل صعودنا السيارة، وكانت أول عبارة قالها الملازم: "إيه شفت (رأيت) بالله ملازم حازم يفضحني عند الآمر ويقول له آني (أنا) اعتديت على نسوان (نساء) بالموصل، يعني هو صار شريف هسه (الآن)". فيرد عليه النقيب الآخر بالقول: "خلي يولي (فليذهب من هنا)، ليش (لماذا) مو راح (لم يذهب) إجازة لبيتهم وترس (حمّل) سيارته أغراض أشكال وألوان سرقهن من بيوت الناس، ليش (لماذا) احنه (نحن) ما بلغنه عنه؟ بس كل واحد وأصله". وبينما يستمع العقيد عبد الكريم المحمداوي مدير الإعلام لهذا الحوار، يقاطعهم بالقول ضاحكاً "سوولنه عزيمه وخلي نصالحكم وتنتهي السالفة".
بدا هذا الحوار مفتاح الوصول لحقيقة ما يجري هناك غير المعارك المشتعلة، فهناك عمليات ابتزاز واعتداء وتعذيب ونهش للأعراض وسرقة ممتلكات يتورط فيها أفراد الجيش العراقي ومليشيات مسلحة تابعة لـ"الحشد الشعبي"، كما تتورط مليشيات تابعة للعشائر بعمليات سرقة ممتلكات عشائر أخرى في قرى خارج مركز الموصل.
عند حاجز تفتيش للجيش العراقي يعرف باسم "سيطرة العقرب"، يتولى ضابط يحمل رتبة نقيب مسؤولية توزيع مساعدات غذائية على الأهالي الذين بدا عليهم الجوع والإرهاق ويرتدون ملابس كبيرة للغاية لا تتناسب مع أجسامهم، قال أحدهم ممن كان ينتظر دوره لتسلم المساعدات الغذائية لـ"العربي الجديد"، "إنها لهم، لكنها كبرت عليهم بسبب الجوع الذي ضربهم منذ أشهر".
وأضاف "هذا الضابط *** يحاول ابتزاز النساء هنا، لكن الحمد لله تجوع الحرة ولا توطي رأسها"، ويستدرك "لعن الله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أوصلنا إلى هذه الحالة، وأنا مريض الآن لكني رفضت أن أبقى بالمنزل وتأتي زوجتي لاستلام المساعدات".
بصعوبة تم التجول بين السكان، فالضباط والجنود حريصون على ألا يدلي أي مواطن بحديث منفرد مع أي صحافي، ويحاولون فرض نوع من الرقابة، فبوجود ضابط أو جندي يكون حديث المواطن "الحمد لله أمورنا تمام وإخوتنا بالجيش غير مقصرين بأي شيء"، إلا أن المواطن نفسه الذي فضل الاكتفاء بكنيته أبو محمد، قال "والله حالنا يبكي عليه حتى العدو، إنهم ينكلون بنا".
وتتزامن مغادرتنا للموصل مع وصول فريق تحقيق تابع لوزارة الدفاع العراقية للوقوف على حقيقة اعتداءات أخلاقية تورط بها ضباط وجنود في المدينة، إلا أن أي معلومات إضافية لم تتوفر بسبب حساسية الموضوع والخوف من افتضاح الجرائم التي ترتكب بالموصل.
واللافت أيضاً أنه على طول الطريق هناك شعارات طائفية كتبت على جدران الموصل، مثل "الدولة العلوية في العراق والشام"، وغيرها من الشعارات التي عادة ما تذيّل بتوقيع أحد فصائل "الحشد الشعبي".
وفي السياق، قال ضابط عراقي بالشرطة المحلية، وهو من سكان الموصل، إن مهمتهم الآن هي منع الاعتداء على المواطنين أو سرقة أموالهم أو ابتزازهم من قبل 23 تشكيلا أمنيا وعسكريا نظاميا وغير نظامي تنتشر بالموصل.
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن هنا الآن فقط للدفاع عن أهل الموصل. هناك جرائم وانتهاكات أستحي من ذكر بعضها، شبان يقتلون بعد اعتقالهم ويعثر على جثثهم ليلاً، وعمليات تعذيب سادية داخل المنازل ينفذها الجيش والمليشيات وباقي التشكيلات الأخرى، وسرقات للمنازل والمحال التجارية واعتداءات أخلاقية".
في ساحة الخردة بالحي الصناعي، كانت النار تشتعل من بعيد وتبعث رائحة كريهة للغاية. قال أحد الجنود رداً على سؤال لصحافي أجنبي كان برفقتنا، إن هذه النار هي لـ"جثث دواعش يتم إحراقها، فالبلدية تأخرت في سحبها".
وسارع الصحافي الأجنبي لكتابة المعلومة، إلا أن الحقيقة لم تكن كذلك؛ فالنيران كانت تشتعل بجثث سبعة شبان تم اعتقالهم يوم السبت الماضي، من منازلهم ووجدوا صباح الأحد جثثا هامدة، من بينهم مهندس حاسبات معروف في الموصل يدعى أدهم الحمداني.
وأكد الضابط الوحيد بالجيش العراقي، الذي وافق على الحديث حول ما يجري بالموصل من انتهاكات، وهو يعمل حالياً في وحده قرب مدينة الشرقاط، لـ"العربي الجديد"، أن "معلوماتي قبل ثلاثة أسابيع عما كان يجري بالمدينة، وببساطة هناك جرائم حتى داعش يترفع عنها، نعم هناك قتل وتعذيب وسرقة واعتداء على الحرمات من الجنود والمليشيات في مناطق الموصل المحررة بالساحل الأيمن"، مضيفاً "بسبب تلك الجرائم تحولت عمليات التحرير إلى عمليات عار على الجميع".