"العربي الجديد" يكشف تفاصيل وثائق "داعش" في سرت

18 اغسطس 2016
صلات التنظيم بالمجموعات المتشددة الأخرى ظاهرة (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، عن محتوى الوثائق التي عثرت عليها أخيراً مجموعة مقاتلين تابعين لعملية "البنيان المرصوص"، داخل مجمع قاعات واغادوغو، الإدارة الرئيسية لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في مدينة سرت (شرقي العاصمة الليبية)، بعد تحريرها من قبضته.

وتتنوع هذه الوثائق بين رقميّة وورقيّة، وعددها كبير؛ فهي تعكس تواصل التنظيم مع أكثر من جهة وشخصية تابعة لها في ليبيا، وفُقد بعضها بسبب الحرائق والدمار الذي لحق بالمكان، وربما يكون العبث بها متعمداً من قبل عناصر التنظيم قبل أن تنسحب من القاعة، وفقاً لمصدر مطّلع تابع للعملية.

وأوضح المصدر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "عملية جمع الوثائق استغرقت وقتاً طويلاً، بسبب عدم تأمين المكان والحاجة إلى تمشيطه، لا سيما قاعة المؤتمرات التي بقيت في قبضة التنظيم حتى آخر لحظة، والتي فخخها قبل انسحابه"، مشيراً إلى "عدم الاطلاع على كل المحتويات لتسليمها إلى جهات مسؤولة، لفحصها والاستفادة منها في كشف هذا التنظيم الغامض من وثائق يعود أقدم تاريخ لها لعام 2015".

صلات التنظيم

وأشار إلى أنّ "صلات التنظيم بالمجموعات المتشددة الأخرى ظاهرة، فهناك ما يؤكد صلته بتنظيم أنصار الشريعة الذي أرسل عدداً من ضحاياه إلى سرت، ليتولى "داعش" رعايتهم وصرف إعانات مالية لهم. لكننا لم نعثر على أسماء معروفة، وكانت المساعدات المقدمة لبعض الأسر التابعة لأنصار الشريعة لا تتعدى 400 دينار ليبي شهريا (286 دولارا أميركيا)".

وذكر أنّ "التنظيم استفاد كثيراً من المقاتلين الذين غادروا إلى سورية للمشاركة في القتال فيها عام 2012، فضلاً عن شخصيات جهادية أخرى، أشهرها أبوعلي أحمد التير، الذي شارك بالقتال في أفغانستان قبل التحاقه بالعراق عام 2008، ليتولى بعد أربع سنوات رئاسة اللجنة الأمنية في سرت".

توسّع التنظيم

وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "توسّع التنظيم باتجاه بلدات سرت الشرقية لم يكن من خلال عمل مسلح، بل باستضافة وطلب رسمي من قبل شخصيات جهادية في هذه المناطق"، لافتاً إلى أنّ "التنظيم كان يعرف التركيبة القبلية؛ فقد ولّى أبوهمام علي قعيم أميراً على هذه المناطق، متخذاً من النوفلية (شرقي سرت) التي تنتمي إليها مقراً لإدارته، بينما كانت شخصيات أجنبية تعمل في الظل للتخطيط لهجمات التنظيم على الهلال النفطي، من دون أن تظهر في الواجهة".

وعن الدعم، قال المصدر إنّ "الدعم اللوجستي، كالوقود والسلاح، كان يصل إلى سرت عبر طرقات ملتوية صحراوية، ولهم تمركزات في مناطق داخل الصحراء، منها وادي المكركم بالقرب من بني وليد، وهي مناطق محصنة طبيعيا بحلقة من الجبال. لكن الوثائق كانت تحمل أسماء بالكنى والألقاب العائدة للمدن والمناطق كالورفلي والمسلاتي والنوفلي، من دون أن تفصح عن الأسماء الحقيقية للداعمين". 

الجناح الإعلامي

ورأى المصدر أنّ "الجانب الإعلامي والاتصالات كان لهما حضور كبير داخل هذه المراسلات، لا سيما الرقمية منها، فهناك العشرات منها التي شفرت أسماء لتقنيات وبرامج يصعب التعامل معها إلا من خلال مختصين"، مضيفاً أنّ "خبرات أجنبية وليبية كانت في سرت لتسيير الإذاعة المحلية وصيانتها".

التمويل
وعن مصادر تمويل التنظيم، قال المصدر إن "عناصر التنظيم اعتمدوا على التعامل مع عصابات محلية ومقاتليه للسيطرة على مواقع الهلال النفطي. لكن ذلك لم يحدث، كما هو معروف، رغم حروبه المتكررة باتجاهه وتمكنه من إيقاع أضرار ببعض خزانات الموانئ"، مضيفاً أنّ "المراسلات لا تشير إلى أي جهة تمدّ التنظيم بالمال، ولكنها تعكس اعتماده أخيراً على عملية طلب الفدية؛ فبعض عمليات الخطف المسجلة وقعت في مدن بعيدة عن سرت. ويبدو أنهم أبناء بعض الأسر الميسورة التي يمكنها دفع مبالغ كبيرة".

وكشف المصدر أنّ "بعض المراسلات تُظهر بشكل واضح مشاركة (داعش) في الهجرة غير الشرعية، بحيث تتكفل بإيصال المئات من الأفارقة، عبر الحدود أو في الصحراء، إلى تجار البشر بمقابلات مالية تقبضها من الطرفين"، موضحاً أنّ "التنظيم قبض المال من شخصيات ثرية في سرت بعد تهديدهم بهدم بيوتهم. كما أنه عرض منازل وسيارات سطا عليها داخل المدينة للبيع، وأطلق سراح معتقلين مقابل المال من أسرهم".

وبيّن أنّ التمويل يأتي أيضاً عبر السطو على البنوك في سرت، في إشارة إلى السطو على سيارة نقل الأموال التي أعلن عنها البنك المركزي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، وفي داخلها 12 مليونا من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى 53 مليون دينار ليبي، فضلاً عن السطو على مليون ونصف المليون دينار ليبي تعود لفرع بنك الصحاري، وسرقة خزانة فرع بنك الجمهورية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.

قيادة التنظيم

وأشار المصدر، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "باستثناء الأسماء الليبية؛ فلم تكن هناك أسماء أجنبية وعربية واضحة أو ثابتة، ولكن بعض الأوراق كتبت بلغات غير العربية، منها الإنجليزية والفرنسية"، مضيفاً أنّ "من أبرز قادة التنظيم الليبيين بابا حسين الكرامي الذي يمارس أعمالاً دعوية وخطبا ودروسا". وتُظهر بعض المراسلات صراعاً بين الأخير وبين داعية آخر يُدعى سالم الكادوشي، ويلقب بأبي ريحانة، على تولي الإمامة في المساجد، بحسب المصدر.

ولفت إلى أنّ "القذافي محمد حامد كان موجوداً في غالبية مراسلات الحسبة أو الشرطة، وهو من المدينة، وأن ألقاباً أخرى من التونسي والمصري تظهر قادة ومسؤولين عربا بالمدينة، لكنها تتغير، وربما تغيرها يظهر إتقان التنظيم سياسة إخفاء قادته بتغيير أسمائهم، أو أنهم متنقلون غير ثابتين"، مبيّناً أنّ "الكتابة باللغات الأخرى بطلاقة والمذيلة بأسماء غير عربية تؤكد وجود أجانب في سرت، علماً أنها لا تتعدى الخمس ورقات". 

وفي سياق متصل لما تناقلته وسائل إعلام عالمية عن وصول قادة بارزين لـ"داعش" من العراق وسورية، نفى المصدر أن "تكون الوثائق كاشفة لأي من هذه الأسماء، ولكن هناك تسجيلات مرئية لم يُطلع عليها ربما تكون احتوت صوراً أو فيديوهات لهم أو لغيرهم".

ولفت إلى أنّ "هناك الكثير من الحوادث التي اشتهرت مثل مقتل 21 قبطياً في فبراير/شباط 2015 على شاطئ سرت، ولكن لم نر دليلاً على صحة وقوعها في المدينة، في الوقت الذي تؤكد شهادات الأهالي قتل التنظيم أجانب مسيحيين في المدينة".

المساهمون