03 نوفمبر 2024
"العدالة والتنمية" المغربي وسؤال المرجعية
نجح حزب العدالة والتنمية المغربي في الخروج موحدا من مؤتمره الثامن الذي عرف انتخاب رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أمينا عاما، بيد أن المؤتمر كرّس واقعا لا يمكن للمتابع تجاهله أو إنكاره، وهو التقاطب الحاد الذي عرفه ولا يزال يعرفه هذا الحزب، ذو المرجعية الإسلامية، بين توجهات داخلية عدة ظهرت خارجيا، من حيث الاصطفاف النهائي، وكأنه تقاطب بين تيارين اثنين أو بين خيارين لا ثالث لهما، التمديد للأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، الذي أصبح في مقام الزعامة السياسية، وعدم التمديد وعدم تغيير قانون الحزب الذي يمنع الولاية الثالثة.
وإذا كان لكل تيار حججه وبراهينه المعتبرة والمعقولة، وإذا كان النقاش بشأن رجل المرحلة مهما، فإن النقاش بشأن مشروع المرحلة أهم، وإذا كان السؤال عن طبيعة المشروع أهم فإن الأكثر أهمية وبإلحاح هو سؤال المرجعية.. لماذا وجبت إعادة صياغة الجواب على هذا السؤال، وفِي هذه اللحظة بالذات؟
أولا، لأن الحزب مقبل على حوار داخلي قريب، من المفترض أن يكون فرصة للنقد الذاتي، للتساؤل بشأن ماهية المشروع، وقدر التأثير والتأثر في المجتمع، وهي مناسبة أيضا للتقييم والمراجعة، ومن ثمة التصحيح والتصويب، والتسديد والمقاربة.
ثانيا، بعد أكثر من خمس سنوات من الحكم، يجب الوقوف على حصيلة الحزب، وعلى تجربته
حزبا ذا مرجعية إسلامية، استطاع البقاء في السلطة، وسط محيط عربي، أُفشلت فيه مخرجات الربيع العربي الذي حمل التيار الإسلامي إلى الحكم في بلدان عربية عديدة.
ثالثا، أظهرت الممارسة الحزبية بعض السلوكيات (حتى لا أسميها اختلالات) التي وجب الانتباه إليها، بل تصحيحها، وظهرت بوضوح بعد إعفاء الأمين العام السابق من رئاسة الحكومة، وخلال مدة ما سميت فترة الانسداد (البلوكاج). وفي هذا الصدد، أذكر واحدة أعتبرها الأكثر حدة، بل أصبحت ظاهرة تشق صفوف الحزب، حيث لوحظ أنه باسم حرية التعبير استحلت الغيبة والنميمة، وأبيح القذف والتشهير، وأجيز التحريض والتأليب، والافتراء والبهتان. ومن هنا، هزالة بعض الأعضاء، من حيث تكوينهم وانتماؤهم إلى مرجعيةٍ فكريةٍ، جعلت من الأخلاق والتخليق العنوان الأبرز لمشاركتها السياسية، من حيث أخلاق الأعضاء، ومن حيث تخليق الحياة السياسية.
رابعا، يجب معرفة القيمة المضافة للحزب، من خلال مرجعيته، وما بصماتها على أرض الواقع؟ أهي كلام عابر أم هي برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، مسطرة وفق هذا المنظور، ومطبقة وفق هذا المفهوم، تستشرف المستقبل العقلاني والمعقول.
هذه المرجعية التي إن صح فهمها لا تحكم على علاقة الإنسان بربه، بقدر ما تحكم على علاقته بالآخرين، حتى لا يصبح مثل آكل لحوم البشر المذكور في القرآن الكريم، ولا مثل المفلس الذي ذكر في الحديث الشريف، فالمسّ بكرامة الإنسان، واتهامه وسبه وشتمه وتحقيره وخيانته وخذلانه، ليس أهون من المحرّمات، فالإنسان الذي لا يصلي، أو لا يصوم، أو يشرب الخمر، لا يضر غيره، حيث يضرهم الذي يسرق، وحيث يسيء إليهم الذي يشتم والذي يغتاب، وحيث يؤذيهم الذي يخون ويخذل ويطعن.
ومن هذا، وجب تفكيك، وإعادة صياغة، المقصود من المرجعية الإسلامية التي ينتسب إليها الحزب، خصوصا أنها مرجعية يشترك فيها مع أحزاب سياسية وحركات دعوية، تؤمن بعضها بالديمقراطية وتكفر بها أخرى، بل تُكَفِر أكثرُها غلوا كُلَّ من آمن بها، أو شارك فيها.
يبقى الفرق، إذن، ليس في الانتساب إلى المرجعية الإسلامية في المرحلة الراهنة، والذي يتجاوز الحالة المغربية المعتدلة، بل في كيفية فهمها، وفهم غاياتها ومقاصدها وأولوياتها، وبعد ذلك كيفية تنزيلها وتطبيقها في الواقع.
في ظل هذا، اختار حزب العدالة والتنمية المغربي التزاوج بين مرجعيتي الأصل والعصر. ففي الشق الأول، يمكن تصنيف الاختيارات الكبرى للحزب، برفعه شعار الإصلاح في ظل الاستقرار، ومنطق التعاون مع الغير، ومبدأ الرأي حر والقرار ملزم. وفي الشق الثاني، جعل النضال الديمقراطي سبيلا إلى الإصلاح، وهو عنوان أطروحته السياسية في مؤتمره السادس، قبل التحول إلى أطروحة البناء الديمقراطي في مؤتمره السابع، ومن ثمة كرّس منطق الدفاع عن الديمقراطية، من خلال احترام إرادة الشعب، وعن حقوق الإنسان من خلال احترام كرامة الإنسان، وعن الحرية من خلال الدفاع عن الحريات في إطار الثوابت.
يبقى الرهان رهان المستقبل للحفاظ على هذا الخاصية، وللاستمرار في رسالته داخل المجتمع، وأكبر رهان يواجهه الحزب، بعد توسعه وانتشاره، وانضمام أفراد عديدين إليه، هو المحافظة على جودة رأس ماله البشري، وهي القوة الوحيدة التي يملك.
وجب أن تؤطر هذه القوة، قبل أن تتدرج في المسؤوليات، وتعي دورها، وتفهم غايتها العليا التي تتمثل في المساهمة في مسلسل الإصلاح من أي مكان. إنه الإحساس بالانتماء إلى مشروعٍ يرنو ويتطلع إلى مستقبل أفضل. وهذا لن يتأتّى إلا إذا نجح في حسن تدبير محطات كبرى أساسية، آتية لا محالة، وتتمثّل في محاور ثلاثة، هي تجديد النخب، بعد أن أزف رحيل الجيل المؤسس، تجديد الفهم، بعد أن اختلط الحابل بالنابل عند ملتحقين كثيرين. وأخيرا تجديد التنزيل، بعد أن غابت لدى بعضهم المقاصد الكبرى والمصالح العليا للبلاد.
وإذا كان لكل تيار حججه وبراهينه المعتبرة والمعقولة، وإذا كان النقاش بشأن رجل المرحلة مهما، فإن النقاش بشأن مشروع المرحلة أهم، وإذا كان السؤال عن طبيعة المشروع أهم فإن الأكثر أهمية وبإلحاح هو سؤال المرجعية.. لماذا وجبت إعادة صياغة الجواب على هذا السؤال، وفِي هذه اللحظة بالذات؟
أولا، لأن الحزب مقبل على حوار داخلي قريب، من المفترض أن يكون فرصة للنقد الذاتي، للتساؤل بشأن ماهية المشروع، وقدر التأثير والتأثر في المجتمع، وهي مناسبة أيضا للتقييم والمراجعة، ومن ثمة التصحيح والتصويب، والتسديد والمقاربة.
ثانيا، بعد أكثر من خمس سنوات من الحكم، يجب الوقوف على حصيلة الحزب، وعلى تجربته
ثالثا، أظهرت الممارسة الحزبية بعض السلوكيات (حتى لا أسميها اختلالات) التي وجب الانتباه إليها، بل تصحيحها، وظهرت بوضوح بعد إعفاء الأمين العام السابق من رئاسة الحكومة، وخلال مدة ما سميت فترة الانسداد (البلوكاج). وفي هذا الصدد، أذكر واحدة أعتبرها الأكثر حدة، بل أصبحت ظاهرة تشق صفوف الحزب، حيث لوحظ أنه باسم حرية التعبير استحلت الغيبة والنميمة، وأبيح القذف والتشهير، وأجيز التحريض والتأليب، والافتراء والبهتان. ومن هنا، هزالة بعض الأعضاء، من حيث تكوينهم وانتماؤهم إلى مرجعيةٍ فكريةٍ، جعلت من الأخلاق والتخليق العنوان الأبرز لمشاركتها السياسية، من حيث أخلاق الأعضاء، ومن حيث تخليق الحياة السياسية.
رابعا، يجب معرفة القيمة المضافة للحزب، من خلال مرجعيته، وما بصماتها على أرض الواقع؟ أهي كلام عابر أم هي برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، مسطرة وفق هذا المنظور، ومطبقة وفق هذا المفهوم، تستشرف المستقبل العقلاني والمعقول.
هذه المرجعية التي إن صح فهمها لا تحكم على علاقة الإنسان بربه، بقدر ما تحكم على علاقته بالآخرين، حتى لا يصبح مثل آكل لحوم البشر المذكور في القرآن الكريم، ولا مثل المفلس الذي ذكر في الحديث الشريف، فالمسّ بكرامة الإنسان، واتهامه وسبه وشتمه وتحقيره وخيانته وخذلانه، ليس أهون من المحرّمات، فالإنسان الذي لا يصلي، أو لا يصوم، أو يشرب الخمر، لا يضر غيره، حيث يضرهم الذي يسرق، وحيث يسيء إليهم الذي يشتم والذي يغتاب، وحيث يؤذيهم الذي يخون ويخذل ويطعن.
ومن هذا، وجب تفكيك، وإعادة صياغة، المقصود من المرجعية الإسلامية التي ينتسب إليها الحزب، خصوصا أنها مرجعية يشترك فيها مع أحزاب سياسية وحركات دعوية، تؤمن بعضها بالديمقراطية وتكفر بها أخرى، بل تُكَفِر أكثرُها غلوا كُلَّ من آمن بها، أو شارك فيها.
يبقى الفرق، إذن، ليس في الانتساب إلى المرجعية الإسلامية في المرحلة الراهنة، والذي يتجاوز الحالة المغربية المعتدلة، بل في كيفية فهمها، وفهم غاياتها ومقاصدها وأولوياتها، وبعد ذلك كيفية تنزيلها وتطبيقها في الواقع.
في ظل هذا، اختار حزب العدالة والتنمية المغربي التزاوج بين مرجعيتي الأصل والعصر. ففي الشق الأول، يمكن تصنيف الاختيارات الكبرى للحزب، برفعه شعار الإصلاح في ظل الاستقرار، ومنطق التعاون مع الغير، ومبدأ الرأي حر والقرار ملزم. وفي الشق الثاني، جعل النضال الديمقراطي سبيلا إلى الإصلاح، وهو عنوان أطروحته السياسية في مؤتمره السادس، قبل التحول إلى أطروحة البناء الديمقراطي في مؤتمره السابع، ومن ثمة كرّس منطق الدفاع عن الديمقراطية، من خلال احترام إرادة الشعب، وعن حقوق الإنسان من خلال احترام كرامة الإنسان، وعن الحرية من خلال الدفاع عن الحريات في إطار الثوابت.
يبقى الرهان رهان المستقبل للحفاظ على هذا الخاصية، وللاستمرار في رسالته داخل المجتمع، وأكبر رهان يواجهه الحزب، بعد توسعه وانتشاره، وانضمام أفراد عديدين إليه، هو المحافظة على جودة رأس ماله البشري، وهي القوة الوحيدة التي يملك.
وجب أن تؤطر هذه القوة، قبل أن تتدرج في المسؤوليات، وتعي دورها، وتفهم غايتها العليا التي تتمثل في المساهمة في مسلسل الإصلاح من أي مكان. إنه الإحساس بالانتماء إلى مشروعٍ يرنو ويتطلع إلى مستقبل أفضل. وهذا لن يتأتّى إلا إذا نجح في حسن تدبير محطات كبرى أساسية، آتية لا محالة، وتتمثّل في محاور ثلاثة، هي تجديد النخب، بعد أن أزف رحيل الجيل المؤسس، تجديد الفهم، بعد أن اختلط الحابل بالنابل عند ملتحقين كثيرين. وأخيرا تجديد التنزيل، بعد أن غابت لدى بعضهم المقاصد الكبرى والمصالح العليا للبلاد.
دلالات
عمر المرابط
مهندس معلوماتيات، باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية، نائب عمدة سابقا في الضاحية الباريسية.
عمر المرابط
مقالات أخرى
27 أكتوبر 2024
07 سبتمبر 2024
14 يوليو 2024