01 فبراير 2019
"العدالة والتنمية" المغربي... حزب الطبقة الوسطى
تتمثل إحدى الدروس الكبرى للحدث الانتخابي المغربي للرابع من سبتمبر/أيلول 2015، في الانتصار الباهر لحزب العدالة والتنمية، ذي الحساسية الإسلامية، في المدن الأساسية ما يسمح بقراءة نتائج هذا الاكتساح الانتخابي "الحضري"، على ضوء تحليل جاذبية هذا الحزب لدى ناخبي الطبقة الوسطى. ويمكن تقديم محاولة للتفكير في مُجمل العوامل المُفسرة لهذه الجاذبية، انطلاقاً من العناصر الثلاثة التالية:
أولاً، تبقى المحددات السياسية ذات أهمية في هذا الباب. إننا، بلا شك، أمام أحد أكبر الأحزاب تنظيماً وإدارة، بدربةٍ انتخابية متصاعدة، تشتغل بمنطق القرب واليومي والأذرع الجمعوية، وبقدرة مهمة على الاستقطاب والإدماج، عبر شبكة من التنظيمات الموازية والأفقية، وذكاء تواصلي مهني. ويعزز ذلك كله في خلفية الصورة من قوة خطاب سياسي واضح، يستند إلى انطباعٍ عام بالتفوق الأخلاقي على الخصوم.
وهنا، لا بد من التأكيد على أن هذا الحزب، وسط فئات الطبقة الوسطى الحضرية، كان تقريباً بلا منافس، فخارج العرض الانتخابي لفيدرالية اليسار (تحالف ثلاثة أحزاب يسارية راديكالية)، والذي ظل محدوداً لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالمضمون، وما يتعلق بإشكالات التواصل، وبالعجز الفادح في الموارد، فضلاً عن ضعف في الأداء الانتخابي، يكاد الباحث الموضوعي يخلص إلى أن حزب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، كان في مواجهة الفراغ. ولعل أزمة مصداقية خصومه هي ما فَنّدت فرضية التصويت العقابي من فئاتٍ قد لا تكون راضيةً سياسياً على منجزه الحكومي، خصوصاً في الشق الاجتماعي، لكنها بالتأكيد لم تكن راضيةً أخلاقياً على أيٍّ من منافسيه.
ثانياً، ما أسميناه، في مناسباتٍ سابقةٍ، "أثر بنكيران "، أمرٌ لا يجب أن يغيب عن أذهاننا.
حوّلت وسائط الاتصال الجديدة الحقل السياسي، فعلاً، إلى "مشهدٍ"، حيث المواطن/الناخب كثيراً ما يصبح مُجرد مستهلك مأخود بالفرجة، خصوصاً مع النزعة المتزايدة للنجومية السياسية، والتي أصبحت محددة في تعامل المواطنين مع الشخصيات السياسية العمومية. وهنا، لابد من التذكير بالحالة التواصلية الاستثنائية لزعيم الحزب، عبد الإله بنكيران، والتي عرفت ذروتها الإشعاعية مع الاسثتمار المنبري للحظة الجواب على أسئلة الجلسة الشهرية البرلمانية، المخصصة للسياسة العامة، وهي الحالة التي انطلقت في التّبلور مع الانتشار الكبير لمقاطع الڤيديو التي تتضمن آجزاءً من تدخلاته في سياق الحراك المغربي لفبراير 2011.
الكاريزما الخاصة ببنكيران، في الحضور القوي والأسلوب الخاص، في اللغة التي تخلق معجمها المتفرد، لتصنع قطيعة مع خطابات سياسية مليئة بالتكلس والتصنع والخشب. هذا كله يمثل واحداً من عوامل النجاح الانتخابي للحزب "الإسلامي"، ولعل أقرب مؤشر على هذا "ظاهرة" التجمعات الخطابية التي ترأسها في المحطة الانتخابية الأخيرة، والتي استطاعت فرض إيقاعها السياسي على مضمون كلّ الحملة الانتخابية وموضوعها ونبرتها.
ثالثاً: في مرحلة موسومة بالانتقال المعقد والمتوتر للمُجتمع المغربي نحو الحداثة، يكاد "العدالة والتنمية" يقدم التعبير الثقافي والفكري والقيمي الأكثر قرباً من الحالة الأيديولوجية العامة المهيمنة على الطبقة الوسطى المغربية. إنه الأكثر تمثيلاً لما يسميه جيل كيبيل إسلام الطبقة الوسطى، الطبقة التي تعيش تردداً هوياتياً وتوتراً قيمياً، في نمط العيش، وفي محددات السلوك الاجتماعي، وهو ما لا تستطيع الجواب عنه إلا بواسطة "مساومات" يومية، بين الرغبة في انبثاق فردانية طموحة والحاجة للدين وللأسرة والهوية عناصر ضرورية للتوازن.
بهذه الفرضية، لا يبدو أن المُراهنين على إحداث شرخٍ هوياتي /قيمي داخل المجتمع المغربي ينتبهون إليها، إذ أن المزيد من إثارة هذا الشرخ، خصوصاً إذا ارتبط بأجندات سلطوية، لا ينمي، في الأخير، سوى نزعة الخوف من "الحداثة" لدى هذه الفئات المترددة.
عدا هذا الجواب الايديولوجي، يُشكل العدالة والتنمية، بشرياً وتنظيمياً، حزباً للطبقة الوسطى، ليس فقط من حيث التماهي الأيديولوجي مع فكرة حول "حداثةٍ لا تعارض الهوية". ولكن، كذلك من حيث البنية البشرية والتنظيمية، إذ إنه في الواقع يشكل "مصعداً اجتماعياً شغالاً"، يقدّم فرصاً أكبر للترقي الاجتماعي، كما يوفر دورة تنظيمية أكثر سلاسة ويسراً.
هل يُمْكِنُ التكهن بأيٍ من العوامل السابقة، يظل العامل المحدد للسلوك الانتخابي للناخب المديني المنحدر من إحدى فئات الطبقة الوسطى؟ في هذا المستوى، نعتقد بصعوبة الأمر وتعقده، بالنظر إلى تداخل الوقائع بالتمثلات في صناعة المتخيل السياسي للناخب، وللتداخل"السّحري" للشخص والفكرة والايديولوجيا والتنظيم والتواصل في بناء الصورة العامة حول العرض الانتخابي في لحظةٍ سياسية معينة.
أولاً، تبقى المحددات السياسية ذات أهمية في هذا الباب. إننا، بلا شك، أمام أحد أكبر الأحزاب تنظيماً وإدارة، بدربةٍ انتخابية متصاعدة، تشتغل بمنطق القرب واليومي والأذرع الجمعوية، وبقدرة مهمة على الاستقطاب والإدماج، عبر شبكة من التنظيمات الموازية والأفقية، وذكاء تواصلي مهني. ويعزز ذلك كله في خلفية الصورة من قوة خطاب سياسي واضح، يستند إلى انطباعٍ عام بالتفوق الأخلاقي على الخصوم.
وهنا، لا بد من التأكيد على أن هذا الحزب، وسط فئات الطبقة الوسطى الحضرية، كان تقريباً بلا منافس، فخارج العرض الانتخابي لفيدرالية اليسار (تحالف ثلاثة أحزاب يسارية راديكالية)، والذي ظل محدوداً لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالمضمون، وما يتعلق بإشكالات التواصل، وبالعجز الفادح في الموارد، فضلاً عن ضعف في الأداء الانتخابي، يكاد الباحث الموضوعي يخلص إلى أن حزب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، كان في مواجهة الفراغ. ولعل أزمة مصداقية خصومه هي ما فَنّدت فرضية التصويت العقابي من فئاتٍ قد لا تكون راضيةً سياسياً على منجزه الحكومي، خصوصاً في الشق الاجتماعي، لكنها بالتأكيد لم تكن راضيةً أخلاقياً على أيٍّ من منافسيه.
ثانياً، ما أسميناه، في مناسباتٍ سابقةٍ، "أثر بنكيران "، أمرٌ لا يجب أن يغيب عن أذهاننا.
الكاريزما الخاصة ببنكيران، في الحضور القوي والأسلوب الخاص، في اللغة التي تخلق معجمها المتفرد، لتصنع قطيعة مع خطابات سياسية مليئة بالتكلس والتصنع والخشب. هذا كله يمثل واحداً من عوامل النجاح الانتخابي للحزب "الإسلامي"، ولعل أقرب مؤشر على هذا "ظاهرة" التجمعات الخطابية التي ترأسها في المحطة الانتخابية الأخيرة، والتي استطاعت فرض إيقاعها السياسي على مضمون كلّ الحملة الانتخابية وموضوعها ونبرتها.
ثالثاً: في مرحلة موسومة بالانتقال المعقد والمتوتر للمُجتمع المغربي نحو الحداثة، يكاد "العدالة والتنمية" يقدم التعبير الثقافي والفكري والقيمي الأكثر قرباً من الحالة الأيديولوجية العامة المهيمنة على الطبقة الوسطى المغربية. إنه الأكثر تمثيلاً لما يسميه جيل كيبيل إسلام الطبقة الوسطى، الطبقة التي تعيش تردداً هوياتياً وتوتراً قيمياً، في نمط العيش، وفي محددات السلوك الاجتماعي، وهو ما لا تستطيع الجواب عنه إلا بواسطة "مساومات" يومية، بين الرغبة في انبثاق فردانية طموحة والحاجة للدين وللأسرة والهوية عناصر ضرورية للتوازن.
بهذه الفرضية، لا يبدو أن المُراهنين على إحداث شرخٍ هوياتي /قيمي داخل المجتمع المغربي ينتبهون إليها، إذ أن المزيد من إثارة هذا الشرخ، خصوصاً إذا ارتبط بأجندات سلطوية، لا ينمي، في الأخير، سوى نزعة الخوف من "الحداثة" لدى هذه الفئات المترددة.
عدا هذا الجواب الايديولوجي، يُشكل العدالة والتنمية، بشرياً وتنظيمياً، حزباً للطبقة الوسطى، ليس فقط من حيث التماهي الأيديولوجي مع فكرة حول "حداثةٍ لا تعارض الهوية". ولكن، كذلك من حيث البنية البشرية والتنظيمية، إذ إنه في الواقع يشكل "مصعداً اجتماعياً شغالاً"، يقدّم فرصاً أكبر للترقي الاجتماعي، كما يوفر دورة تنظيمية أكثر سلاسة ويسراً.
هل يُمْكِنُ التكهن بأيٍ من العوامل السابقة، يظل العامل المحدد للسلوك الانتخابي للناخب المديني المنحدر من إحدى فئات الطبقة الوسطى؟ في هذا المستوى، نعتقد بصعوبة الأمر وتعقده، بالنظر إلى تداخل الوقائع بالتمثلات في صناعة المتخيل السياسي للناخب، وللتداخل"السّحري" للشخص والفكرة والايديولوجيا والتنظيم والتواصل في بناء الصورة العامة حول العرض الانتخابي في لحظةٍ سياسية معينة.