"الشبكة" للكوريّ الجنوبيّ كيم كي ـ دوك: قسوة الانشقاق

16 يناير 2017
رييوو سونغ ـ بوم في "الشبكة" (العربي الجديد)
+ الخط -
يختصر السينمائي الكوري الجنوبي كيم كي ـ دوك المعنى العميق للسينما التي يُحبّ، بقوله التالي: "لديّ فكرة تستحوذ عليّ كثيراً، حول كون السينما مزيجاً من التوتر والأزمات والسلام والسخرية والتدمير. بالنسبة إليّ، السينما هي هذا كلّه في وقتٍ واحد". ولعلّ مُشاهدة فيلمه الأخير "الشبكة" (2016)، تكثِّف هذا القول، وتعكس جوانب أساسية منه، بارتكازه على نتاجٍ دراميّ منبثق من هذا المزيج، وإنْ تبدو مفردة "السلام" فيه معطّلة، لعطبٍ يُصيبها في واقع الحدث أصلاً. 

التكثيف السينمائي لقولٍ يرصد محتوى الصنيع البصري، ينسحب أيضاً على البناء الدرامي والجمالي. فالمدّة الزمنية للفيلم (114 دقيقة) تظهر متماسكةً في سرد حكاية صيّاد سمك كوريّ شمالي (رييوو سونغ ـ بوم)، يجتاز يومياً حاجزاً عسكرياً لمراقبة البحيرة الواقعة بين الكوريتين، كي يجمع الأسماك العالقة في شبكته. حكاية، تبدو عادية وبسيطة، لكنها تنفتح على السياسيّ والاجتماعيّ والإنسانيّ، بعد خلل يُصيب مركبه المتواضع، فيعجز عن العودة به إلى بلدته (الجانب الشماليّ)، لأن تياراً يجرفه إلى الجانب الجنوبيّ، على مرأى من المراقبين العسكريين في الجانبين.

هذا، لوحده، يكفي كي تبدأ مغامرة ـ غير متوقّعة، وغير مطلوبة، وغير مُشتهاة ـ للصيّاد الشاب، الأب والزوج. مغامرة تُدخله في أروقة أجهزة أمنية جنوبية، وتجعله في مواجهة "أعداء" ينتمون، أصلاً، إلى البلد نفسه، المنقسم على ذاته في الجغرافيا، وفي أمور كثيرة. وفي لحظة خبث استخباراتي، يُسمح له بـ "هروبٍ" مدبَّر، يُصرّ على رفضه، بإغلاق عينيه كي لا يرى شيئاً "قد" يُحاسَب عليه لاحقاً.

المحقّق الجنوبي قاسٍ للغاية، على نقيض رؤسائه والعاملين معه. وحشيته نابعة من تربية إيديولوجية صارمة، لن يتردّد كيم كي ـ دوك عن التنبيه إليها. والمقابل الإنساني له حاضرٌ في حارسٍ شاب، يُطلب منه البقاء معه، فتنشأ علاقة سليمة وهادئة بينهما. لكن التحقيقات لن تؤدّي إلى كشف جرم تجسّسي، ومحاولة إخراجه إلى الشارع لملاحقة جواسيس يُظنّ أنه قادمٌ من أجلهم تصطدم بعوائق شتّى، وإنْ يتبيّن وجود شبكة تجسّس نائمة، في حين أن "براءته" تُعيده إلى "بلده"، حيث الاستقبال الإعلاميّ يجعله بطلاً في مواجهة "الأعداء"، والتحقيقات معه لن تكون أقلّ وحشية وقسوة من شبيهها الجنوبي.

المسار الدرامي، بتفاصيله المتنوّعة، يعكس مرارة الانشقاق والتمزّق، ما يؤدّي بالصيّاد إلى موتٍ يراه أفضل من عيشٍ ملازمٍ لخيبةٍ وألمٍ وانكسار ومهانة. يُصرّ على العودة إلى البحيرة لاصطياد السمك، لأنها مهنته. لكن الموت حاضرٌ لإنقاذه من بشاعة الحياة.

يتضمّن "الشبكة" ما هو أكبر من أن يُختصر بكلمات. الإنسانيّ طاغٍ في هوامش تبدو، أحياناً، أهمّ من المتن الأصلي. والنسق السينمائي يفضح بؤر الاشتعال عبر سردٍ تفكيكيّ هادئ ومتين الصُنعة للحبكة وعالمها الجغرافي والبشري والإيديولوجي.

المساهمون