"اسمع كلام أمّك.. ماتسمعش كلام أبوك.. اسمع كلام أختك.. ماتسمعش كلام أخوك.. اسمع كلام جدّك.. ماتسمعش كلام جدّتك.. اسمع كلام عمتك.. ماتسمعش كلام خالتك..."، وتردّد الجدّة وصاياها لحفيدها المولود حديثاً، بفكاهة، وهي تدقّ هون النحاس بوقع معيّن، متمنّية له سعة الرزق.
دقّ هون النحاس واحد من أبرز طقوس "سُبوع" المولود الجديد في مصر، من شأنه أن يحميه من الفزع بالنسبة إلى البعض. أمّا البعض الآخر، فيرى أنّ من شأن ذلك إبعاد الأرواح الشريرة عن الطفل، فيما يقول بعض ثالث إنّه يساعد على فتح أذني الطفل.
ويوضَع الصغير في منخل أو غربال مزيّن، ويُصار إلى "رجرجته حتى يشتدّ عوده"، سواء أكان ذكراً أم أنثى، على وقع بعض الأغاني والأناشيد الخاصة.. "الأولى بسم الله، والتانية بسم الله، والتالتة بسم الله، والرابعة بسم الله، والخامسة بسم الله، والسادسة بسم الله، والسابعة يا بركة محمد بن عبد الله". وتطوف الأمّ حاملة مولودها الجديد، وخلفها الأهل والجيران ومن حولهم الأطفال يحملون الشموع المشتعلة ويرددون "حلقاتك برجالاتك"، فيما تتولى امرأة كبيرة في السنّ طقس رشّ الحبوب والملح على الجميع، وهو ما يعتبره المصريون صداً للحسد. ويُردّدون: "يا ملح دارنا.. عمّر ديارنا.. يا ملح دارنا كبّر عيالنا.. كتّر ولادنا".
"السُبوع" عادة مصرية قديمة، يرجعها البعض إلى الفراعنة، إذ عُثر على بعض رسومات جدارية من عصر الدولة الفرعونية الحديثة، تتشابه مع احتفالية السُبوع التي يحييها المصريون اليوم.
ملح خشن وسبعة أنواع من البقوليات الجافة، وقلّة أو إبريق، ومدقّة نحاس وشموع... من بين مستلزمات سُبوع المولود الأساسية في مصر. والاستعدادات لتنظيم السُبوع قد تفوق أهميتها استعدادات انتظار المولود وتكاليف عمليّة الوضع، بالنسبة إلى عامة المصريين. وغالباً ما يتوجّه أهل المولود إلى منطقة الموسكي ودرب البرابرة في قلب العاصمة القاهرة، وهي من الأحياء الشعبية التي تشتهر ببيع مستلزمات السُبوع.
تحرس الصغير خلال غفوه (العربي الجديد) |
يشتري أهل المولود قُلّة إذا كانوا ينتظرون مولوداً أنثى، أو إبريقاً إذا كان المولود ذكراً. وخلال الاحتفال، تتوسط تلك القلة أو الإبريق صينية كبيرة مليئة بالشموع، وعليها أنواع البقوليات الجافة السبعة، كالقمح والذرة والفاصولياء والأرزّ. إلى ذلك، يشتري الأهل حلوى وهدايا بسيطة يغلفونها باللون الوردي أو بالأزرق الفاتح، بحسب جنس المولود، ويوزّعونها على الحاضرين. ويحرصون على كتابة عبارة سجع قصيرة تحمل اسم المولود، على شريط من "الستان" تُلف به تلك الهدايا، من قبيل "بقدومه أشرقت شمس الشموس، وصار بهجة كل النفوس".. "شيلوني بحنان أنا هدية من الرحمان". وأخيراً امتزجت العادة الفلكلورية المصرية بالسياسة، فلجأ البعض في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، إلى كتابة عبارات مثل "أنا حلو وزيّ السكر.. يسقط يسقط حكم العسكر".
الاحتفال بسُبوع المولود، يشكّل عبئاً مادياً متفاوتاً، بحسب الأوضاع المادية لكل عائلة. المستلزمات التي تباع في الموسكي ودرب البرابرة، تناسب إلى حدّ كبير أوضاع الأسر متوسطة الدخل في مصر، وقد تتفاوت ما بين ألف جنيه مصري (نحو 115 دولاراً أميركياً) وخمسة آلاف جنيه (نحو 565 دولاراً) أو أكثر، بحسب كميات الخامات وجودتها. أمّا الأغنياء، فقد يحصلون على تلك المستلزمات من خارج البلاد، ويحرصون على تقديم هدايا فريدة من نوعها كتذكار للمولود، مع أفخر أنواع الحلوى والشكولاتة.
يُذكر أنّ الأهالي في صعيد مصر، يبالغون في الاحتفال بالمولود الجديد، خصوصاً إذا كان صبياً، نتيجة العصبية القبيلة، فتُقرع الطبول والدفوف وتُقام الاحتفالات وموائد الطعام لجميع أهل القرية. وعند الاحتفال بالسُبوع، ترتدي الأمّ أجمل ما عندها لاستقبال ضيوفها، وتُلبس الطفل ملابس جديدة وبيضاء فيما تأتي لفّته بيضاء، أطرافها مشغولة بالأزرق للصبيّ وبالزهريّ للفتاة.
من جهة أخرى، تُعدّ استعدادات الأم لوضع صغيرها أيضاً مسألة متفاوتة من الناحية المادية، بحسب نوع الولادة (طبيعية أم قيصرية)، وإمكانات المستشفى وتجهيزاتها. المستشفيات الحكومية، وإن كانت تقدّم خدمات العلاج مجاناً، إلا أنّ عملية الولادة نفسها، لها تكاليف خاصة.. أجرة الطبيب وإيجار غرفة العمليات والتعقيم والتخدير وخلافها. وتراوح تكاليف الولادة في المستشفيات الحكومية بين 300 جنيه (نحو 35 دولاراً) إلى نحو ألفَين (225 دولاراً). أما المستشفيات الخاصة والاستثمارية، فتقدّم خدمات فندقية فاخرة بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الولادة كثيراً. وتقدّر كلفة المبيت في تلك المستشفيات بنحو ألفَي جنيه فأكثر لليلة الواحدة، فيما قد تتخطى كلفة عملية الولادة العشرة آلاف جنيه (نحو 1130 دولاراً).