منذ إسدال الستار على تظاهرة "عاصمة للثقافة العربية" في نيسان/ أبريل الماضي، لم يعُد يُلتفت إلى مدينة قسنطينة كثيراً حين يتعلّق الأمر بالثقافة. ورغم أن القائمين على القطاع كانوا يقدّمون المنشآت الثقافية الكثيرة التي أُنجزت خلال التظاهرة كدليل على نجاح الأخيرة، إلاّ أن المنشآت نفسها لم تشهد إقامة فعاليات لافتة منذ اختتم الحدث الثقافي العربي.
ومع اقتراب العام الجاري من نهايته، يطرح المتابعون تساؤلات عن مصير "مهرجان الفيلم العربي المتوَّج" الذي احتضنته المدينة في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، كمُلحَق لـ "مهرجان وهران للفيلم العربي". عُيّن الممثّل حسان بن زيراري مديراً جديداً للتظاهرة خلفاً لـ إبراهيم صدّيقي. لكن إلى الآن، لم يُعلَن عن برنامج الدورة الثانية، ولم يتّضح إذا ما كانت ستُنظَّم هذا العام، أم ستُؤجَّل إلى موعد آخر.
وسط هذا الفراغ، جاءت الدورة الثانية من "أيّام السينما والذاكرة"، التي اختُتمت ليلة أمس، بعد أن أُقيمت فعالياتها منذ السبت الماضي في "دار الثقافة مالك حدّاد"، بمشاركة عدد من المخرجين والباحثين الجزائريين.
وتهدف التظاهرة، إلى "إعادة تفعيل الحقل السينمائي واستعادة سحر الشاشة الذهبية في مدينة الجسور المعلّقة، والتصالح مع التاريخ"، بحسب لونيس يعو، رئيس جمعية "نوميديا فنون"، المنظّمة.
تتزامن "الأيّام" مع الأوّل من تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي يمثّل الذكرى الثانية والستّين لاندلاع الثورة الجزائرية. ولعلّ ذلك يُعطي فكرة عن برنامجها الذي تغلب عليه استعادة تاريخ كفاح الشعب الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي، سواءً من خلال العروض السينمائية أو الندوات الفكرية.
تضمّن برنامج اليوم الأخير عرض فيلمين سينمائيين؛ هما: "القطاطشة" (2014) لـ علي عيساوي و"عملية مايو" (2015) لـ عكاشة تويتة إلى جانب تكريم مخرجي الأفلام المعروضة.
أمّا الأفلام التي عُرضت في الأيام السابقة، فلعلّ "ذاكرة الحدث" (2015) لـ عبد الرحيم العلوي هو أبرزها. العمل الروائي، الذي عُرض للمرّة الأولى، يعود على مدار ساعة و45 دقيقة إلى جزائر العشرية السوداء، محاولاً تسليط الضوء على واقع الفنّانين الجزائريين في ظلّ العنف اليومي، وتداعيات المرحلة وتأثيراتها على الفنون في الجزائر.
يروي الفيلم قصّة صحافي ومخرج مسرحي يُدعى عز الدين، يحضّر لاقتباس عمل عن مسرحية "تارتوف المحتال" لـ موليير، لكنه يتلقّى تهديدات وضغوطاً لإيقاف مشروعه وإغلاق المسرح. وأمام إصراره على المضيّ قدماً، يتعرّض إلى التصفية الجسدية. وهي الزاوية التي يعرّج فيها الفيلم على اغتيالات أخرى؛ مثل اغتيال الكاتب الطاهر جاووت والمسرحي عبد القادر علّولة.
أمّا الندوات، فمن من بينها ندوة الأكاديميتين وناسة طنقور وخديجة عادل محاضرتين حول الشخصيات الجزائرية التاريخية، وندوة الكاتبين والباحثين أحمد ملياني وعبد المجيد مرداسي حول "التاريخ والكتابة السينمائية".