"السيرك السياسي"...سخرية ونقد للطبقة السياسية

06 اغسطس 2017
هشام جابر ونورا جنبلاط في مهرجان بيت الدين (فيسبوك)
+ الخط -
بعد عرض "بار فاروق" العام الماضي، تجدّد مهرجانات "بيت الدين" تعاونها مع، هشام جابر، المدير الفني لـ"مترو المدينة" ومؤلف ومخرج العرض، والذي يقدّم هذه السنة عرض "السيرك السياسي"، من وحي ما عشناه ونعيشه من هرج ومرجٍ سياسيين على الصعيدين المحلي والدولي. تبدأ الحكاية من الملل، عندما شعر حكام "خربة الأحلام" أن شعبهم بات مكتبئاً، وابتدعوا الانتخابات لاستعادة حماستهم المفقودة، وطبعاً، بعد هذا القرار، يأتي التحضير للحملة الانتخابية التي تحولت إلى سيرك بهلواني تهريجي غنائي موسيقي لا يخلو من السحر.

العرض هو عبارة عن مجموعة مشاهد، غنائية وصامتة تنقل مراحل تلك الحملة، إذ تبرز شخصيات متعددة من المهرجين، كالحكواتي العجوز (هشام جابر)، ومدام فيكتوريا (ياسمينا فايد) مديرة حملة المرشح الوحيد للانتخابات، وشخصية الساحر (فائق حميصي) والدراويش. كما تبرز ديناميكية من العلاقات الثنائية بين الحاكم وجماهيره من ناحية، وديناميكية تجمع بين مهرجة (زياد شكرون) ومهرج (شانتاك ماياك) من ناحية أخرى، تنتقل بالمشاهد من عامية الجماهير إلى خاصية العلاقة بين الثنائيتين، وتوازيهما ثنائية ثالثة هي ثنائية الحكواتي والمواطن الأحدب اللذين يهدئان من وقع احتفالية التهريج بين مشهد وآخر.

أما المرشح للانتخابات، والتي تُنظَّم حملة لصالحه، فهو أبو فاس النسناس الذي لا يظهر إلا في نهاية العرض. اللعبة الذكية التي لعبها جابر في عرضه، هي إزاحة دور أبو فاس إلى الهامش، مركزاً على انسحاق الجماهير المصفقة أمام مرشحهم.
في المشاهد الأولى للعرض، غنى، زياد الأحمدية، ملحن وموزع العرض: "وأخيراً حقي خمسة بيزوس، وأخيراً صار عندي قيمة، فيني واجه حياتي اللئيمة". في مرحلة لاحقة، هيّصت فرقة الزفة "ادعس ادعس يا بو فاس نحنا صوتك كل الناس".

في الثلث الأخير من العرض، قدم الأحمدية مع عازف الأكورديون الذي كان يتفنّن في عزف لحنه قائلاً "خلص... خلص دورنا"  ليغني بعدها "في السياسة، في خباثة وفي حتة نجاسة". تلك الجمل الأربع تلخص كل شيء.

رافقت العرض مجموعة من المشاهد التحريكية (كواكب) التي تُعرض في خلفية الخشبة، والتي تضيف جواً من العبثية والنزق، تزيده سوداوية ثنائية المواطن الأحدب (ساندي شمعون) والحكواتي. كالسلحفاة يمشي المواطن الأحدب، ويجر صندوقاً ببطء كبير، ثم ما يلبث أن يخرج من الخشبة حتى يدخلها مجدداً. بقي هكذا طوال العرض حتى نطق أخيراً صارخاً في أغنية  "يا رب...بلدنا منترك ولا لأ". كذلك يخرج الحكواتي العجوز خلال العرض إلى حيزّ الجمهور ممرراً سخريته المتعبة، كما لو أن كل ما يشاهده المشاهد بات ممجوجاً ومر عليه زمن طويل، وكما لو أن هاتين الشخصيتين تشكلان الوعي الجماعي الذي يحاول أن يجد مكاناً له وسط هذه الهمروجة.  

تكمن فرادة عرض هشام جابر في طرحه لغة جديدة شعبية قدّمها من خلال الأغاني ومونولوغات الحكواتي التي تحاكي  مفردات أهل هذا الزمن دون السقوط في الابتذال، أو في لعبة تنميط سطحية لا تلاحظ التفاصيل الصغيرة التي إن اجتمعت ستلخص مشهد "خربة الأحلام" برمته. "وأهل الخربة طيبين، بس الفرد عالخصر، ولو خسروا بمشكل بيحتفلوا بالنصر، وبيحبوا يعرفوا البيضة مين باضا وشو حكيت العصفورة ويضلوا بالصورة". فرادة أخرى لعمل جابر هي تلك المزاوجة بين البساطة الظاهرية والمباشرة في الكلمات، وتعقيد الدلالات البصرية، والمشاهد الصامتة التي يتم تقديمها على الخشبة.
 
ورغم وجود بعض الإطالات والثغرات الإخراجية، كان لكل أغنية وقعها من ناحية اللحن. كما أضفى عزف الأوركسترا المباشر الذي يقوده، لبنان بعلبكي، ألقاً جميلاً على "السيرك السياسي"، والذي سيفضله الجمهور على بهلوانيات وهرج السياسيين في الواقع. على الأقل في "بيت الدين" كان التهريج فعل احتراف.



دلالات
المساهمون