عرفت احتجاجات "السترات الصفراء" في أسبوعها الخامس والعشرين، اليوم السبت، هدوءاً في العاصمة باريس يختلف عن السابق، لتعكس رغبة المتظاهرين في إظهار سلمية حراكهم، بعد أن ركزت الحكومة وكثير من وسائل الإعلام على ميله نحو التطرف واختراقه من عناصر متطرفة تريد مقارعة النظام، ولا مصلحة لها في مطالب الحراك الشرعية والتي تؤيدها أغلبية من الفرنسيين.
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية عن خروج 18 ألفاً و900 متظاهر، هذا اليوم، ومن بينهم 1460 متظاهرا في العاصمة. فيما أعلنت "السترات الصفراء"، في صفحتها في "فيسبوك"، عن أرقام مختلفة، فقد بلغ عدد المتظاهرين، حسب تقديراتها، 40 ألفاً و291 شخصاً في 155 مدينة وبلدة في عموم فرنسا.
وحرصت التظاهرة الرئيسية في باريس على المرور بجانب مؤسسات صحية، من أجل إظهار دعهما للقطاع العمومي، وللمضربين في قطاع المستعجلات، وكذلك من أجل إيضاح حقيقة ما جرى في مستشفى "بيتييه سالبيتريير"، يوم الأربعاء الماضي، والذي اتهمت فيه "السترات الصفراء"، بمهاجمة المستشفى وترويع موظفيه ومرضاه، وتحطيم بعض الممتلكات.
وكانت الشعارات قوية ضد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ووزير داخليته كريستوف كاستانير. وهتف المتظاهرون "كاستانير الكذّاب"، الذي كان خلف الاتهامات باقتحام المستشفى، عبر تصريحاته وتغريداته، وان اعتذر عن بعضها، لاحقاً.
وتميزت مدينة ميتز بتنظيمها تظاهرة قوية، شارك فيها ما يقرب من 5000 شخص، وشهدت حضورا قويا لـ"السترات الصفراء" إلى جانب متظاهرين من أجل المناخ، تحت اسم "المسيرة العالمية من أجل عدالة إيكولوجية واجتماعية"، وهي تظاهرة استباقية، أيضا، لاجتماع ستشهده المدينة بعد غد الاثنين لمجموعة السبع حول المناخ على مستوى وزراء البيئة.
التقارب نفسه بين أنصار البيئة و"السترات الصفراء" شهدته أيضا مدينة ليون، حيث تظاهر عدة آلاف جنبا إلى جنب، ولأول مرة، معتبرين أن الخصم واحدٌ، وأن "نهاية العالَم" و"نهاية الشهر" مرتبطتان معاً.
كما أن مدنا أخرى شهدت تظاهرات، فيما عادت بعض التجمعات إلى تقاطع الطرقات، كما كان عليه الحال في الأيام والأسابيع الأولى للحراك، قبل أن تقوم قوى الأمن بتفكيك الخيام وإجلاء المعتصمين.
عالم الثقافة يهب للنجدة
من جهة أخرى وقّع نحو ألف و400 وجه من عالم الثقافة، من بينهم فنانات وكاتبات معروفات بانخراطهن في الهمّ الاجتماعي والسياسي، منذ فترات طويلة، من بينهن الممثلة جولييت بينوش (التي أعلنت قبل سنوات تعاطفها مع فلسطينيي غزة، في أثناء اعتداء إسرائيلي، فتعرضت لحملة صهيونية عنيفة)، والممثلة إيمانويل بيارت (التي تضامنت قبل سنوات مع مهاجرين سريين محتمين في إحدى كنائس العاصمة، وتعرضت للتشويه والوصم)، والروائية آني إيرنو (التي نشرت، مؤخراً، مقالاً في صحيفة "ليبراسيون "تتعاطف فيه مع محجبات تعرضن للتمييز، لم يرُق لكثير من النسوانيات والعلمانويات)، مقالاً نشر في موقع صحيفة "ليبراسيون"، بعنوان: "السترات الصفراء: لسنا مخدوعين".
المقال يحيي، بشدة ووضوح كاملين، هذه الحركة، "التي لا سابق لها"، والتي تحاول حكومة ماكرون جاهدة نزع المصداقية عنها وتشويهها، إضافة إلى تسليط القمع عليها، بينما هي "تدافع عن أشياء أساسية، تتمثل في ديمقراطية مباشرة، وفي عدالة اجتماعية وضريبية، دون إهمال الحالة الإيكولوجية الاستعجالية".