وصنّف علماء اللغة في وقت لاحق الرسم العربي إلى إملائي وعروضي، وثالث قرآني كنوع خاص من الإملاء لا يسري إلا على آيات الذكر الحكيم وليس له قواعد محدّدة، لكن الآراء عادت وانقسمت حوله بين جمهور يرفض استبداله بحجج شرعية، وجمهور دعا إلى تبديله بالرسم الإملائي المقّعد المتواتر عند أهل العربية.
الباحث الليبي خالد إبراهيم المحجوبي أصدر عام 1998 كتاباً بعنوان "الرسم القرآني بين التوقيف والاصطلاح"، تناول فيه الفروقات بين طبعات متعدّدة من القرآن تباينت في التزامها بالرسم العثماني، واستعرض محاولات التغيير عبر التاريخ منذ الإمام مالك الذي أفتى بجوازها لتيسير تعلمّها للفتيان، ثم عرّج على محاولات حديثة منذ الخديوي عباس حلمي الأول (1813 – 1854) الذي واجه معارضة شديدة، وصولاً إلى طبع نسخ تأخذ بقواعد الإملاء منذ السبيعنيات.
لم يتوقّف الجدل حتى يومنا هذا حيث يدافع كثيرون عن ضرورة إعادة طباعة المصحف وفق الرسم الكتابي المتوافق عليه عند جميع الناطقين بالعربية، حيث يُشكل على معظم المتحدثين بلغات أخرى دراسة القرآن على رسمه المتوارث منذ أربعة عشر قرناً.
مع نشر طبعة ثانية من دراسة المحجوبي عن "معهد المخطوطات العربية" في القاهرة، صدر حديثاً كتاب عن المعهد نفسه للباحث غانم قدوري الحمد بعنوان "رسالة في تصحيح بعض ما وقع من أوهام في كتاب "الرسم القرآني بين التوقيف والاصطلاح".
يذهب الباحث إلى استعراض تاريخ قراءات النص القرآني وإيراد الآراء التي شدّدت على الالتزام بالرسم العثماني بوصفه نظاماً كتابياً مستقلاً بحد ذاته لا تجوز مخالفته، رافضاً القول بقبول تغييره التي لم تظهر، بحسب الكتاب، إلا في مرحلة متأخرة.
عارض الحمد ما أشار إليه المحجوبي بأن الرسم العثماني بدائي وغير مقّعد، مؤكداً أن له نظمه وأسسه التي شرحها مفصّلة، وأن الحذف والزيادة والبدل في بعض الأحرف لا يشكّل صعوبة كبيرة أمام تدريس القرآن كما تثبته التجربة العملية، وصولاً إلى أن الشكل لا ينفصل عن مضمون النص ما يستوجب حفظه.