"الرؤية" بعيني جون برجر

22 نوفمبر 2017
(جون برجر، تصوير: إيريك هاجي)
+ الخط -

نُشر كتاب "طرق الرؤية" أول مرة عام 1972، وفيه جمع الناقد الإنكليزي جون بِرجر (1926-2017)، محتوى الحلقات التي سجلها لـ "بي بي سي" في برنامج تلفزيوني يحمل الاسم نفسه. مؤخراً صدر الكتاب بترجمة عربية عن دار المدى، أنجزها الروائي السوري زياد عبد الله.

يتألف الكتاب من سبعة مقالات؛ أربعة منها عن استخدام الكلمات والصور، وثلاثة عن استخدام الصور فقط، وفيه يوضح برجر كيف أن طرقنا في الإدراك أقل عفوية مما يُعتقد أو مما نفترض عادة، حيث يتم التلاعب فيها من خلال عدة عوامل خارجية وبالاعتماد على الشروط والظروف الثقافية التي نعيش فيها، حيث يسائل الكاتب الافتراضات حول تقاليد تاريخ الفن في أوروبا. الكتاب ليس عن أعمال محددة بل عن الطرق التي نفهم بها هذه الأعمال اليوم.

يبني برجر بعض أطروحات الكتاب على مقولة فالتر بنيامين في "العمل الفني في عصر إعادة الإنتاج تقنياً" والتي كتبها عام 1936، وقال فيها إن التكنولوجيا، خصوصاً صورة الكاميرا الثابتة أو المتحركة، أثرت في الإبداع وفرادة العمل الفني وهالته التي ضاعت في إعادة الإنتاج.

ومثل بنيامين يثير برجر الأسئلة حول الأيديولوجيا الخفيّة للصورة ويستكشف فكرة الفن كسلعة. لكن عمل برجر يختلف مع بنيامين في شرط أساسي، ففي حين أن قراءة مقال بنيامين تتطلب قارئاً محترفاً في تاريخ الفن والفلسفة والنقد، فإن "طرق الرؤية" مكتوب بلغة سهلة التلقي لمختلف أنواع القرّاء، حيث يجد كل من المثقف الضليع والقارئ البسيط متعته، لقد كتب الكتاب بذات النفس الذي أُنجزت فيه الحلقات التلفزيونية، وبكاريزما تقترب من كاريزما برجر نفسه في برنامجه الذي حقق نجاحاً كبيراً، أسقط فيه عن الفن وفهمه صفات كالبرجوازية وصعوبة التلقّي.

في نسخة الكتاب الإنكليزية تأتي الصور داخل النص كجزء منه، في مواضع يفسّر وجودها نفسه ليس كأداة شرح أو توضيح للنص، بل الصورة نفسها تصبح نصاً.

كتاب برجر هو عمل عن السياسة الثقافية، من وجهة نظر كاتب يساري، يتعامل فيه مع التأثير الهائل للدعاية من خلال الصورة والتلفزيون وإعادة الإنتاج ومبادئ الرأسمالية وعلاقتها بالفن، كل ذلك يتخلله نقاش حول الجندر والعرق.

يقول برجر "تنجو الرأسمالية من خلال إجبار الأغلبية، التي تستغلها، على تحديد اهتمامتها الخاصة في أضيق الحدود الممكنة... وهذا يتحقق اليوم في البلدان المتقدمة بفرض معيار كاذب لما هو وما هو غير مرغوب فيه... الدعاية هي عملية صناعة البريق".

يقدم الكتاب أمثلة مختلفة، من بينها الصور المتناقضة في المجلات، فمن جهة ثمة إعلان عن منتجات التجميل التي ستغيّر حياة المستهلك، مقابلها صور للاجئين من باكستان تعبر عن البؤس واليأس، كلا الصورتين على نفس الصفحة. ووضعها هكذا يجعل ثقافة تتيح نشر الصور على هذا النحو ثقافة تفتقر إلى التماسك والترابط.

دلالات
المساهمون