"الدبلوماسية البرلمانية" لنواب اليمين تزعج الخارجية الفرنسية

27 يوليو 2015
خلال زيارة البرلمانيين الفرنسيين منطقة القرم (فرانس برس)
+ الخط -
بدأت الخارجية الفرنسية تضيق ذرعاً بالدبلوماسية البرلمانية المعتمدة من بعض النواب الفرنسيين ومعظمهم من المعارضة اليمينية، في الأشهر الأخيرة. وتحوّلت الزيارة الجماعية التي قام بها، الخميس الماضي، عشرة برلمانيين، وعلى رأسهم الوزير اليميني السابق في  تيري مارياني، إلى منطقة القرم التي ضمتها روسيا بالقوة، إلى موضوع جدل سياسي عنيف. 

ووصفت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان والوزيرة الاشتراكية السابقة، إليزابيت غيو، هذه الزيارة بأنها "رحلة همجية ومضحكة هدفها تلميع صورة النظام الروسي الذي استقبلهم كبرلمانيين منتخبين وليس كأفراد عاديين". ووصف رئيس فريق البرلمانيين الاشتراكيين في البرلمان، يوم الجمعة الماضية، هذه الزيارة التي تمت من دون أدنى تنسيق مع السلطات الأوكرانية بأنها "عار على فرنسا ومؤسساتها المنتخبة".

وكان وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، قد عبّر عن صدمته من هذه الزيارة، مذكّراً بالموقف الفرنسي الرسمي الرافض لضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم. وهو الموقف الذي يعتبر المبادرة الروسية انتهاكاً للأعراف والمواثيق الدولية. واعتبر زعيم الدبلوماسية الفرنسية، أن هذا النوع من المبادرات يضرّ بالسياسة الخارجية الفرنسية ويضعف سمعة باريس في المحافل الدولية، ويناقض الأعراف الجمهورية التي تفرض احترام المواقف الرسمية للبلاد في الشؤون الخارجية.

وحاول فابيوس حتى اللحظة الأخيرة ثني المجموعة البرلمانية عن الذهاب إلى القرم لكنه لم يفلح. وكان النائب تيري مارياني قد دافع عن هذه الزيارة، مؤكداً أنها لا تعكس الموقف الرسمي وأن هدفها هو "استجلاء حقيقة الأوضاع في القرم والنقاش مع الناس العاديين بعيداً عن التناول الإعلامي المتحيّز لوسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية".

واستغلت السلطات الروسية هذه الزيارة التي نظّمتها وموّلتها جمعية روسية، وروّجت لها إعلامياً بشكل كبير، لكونها تشكل فجوة ثمينة في جدار العقوبات الأوروبية ضد روسيا، بسبب الأزمة الأوكرانية. وأقام رئيس مجلس الدوما الروسي، سيرغي ناريشكين استقبالاً حافلاً للبرلمانيين الفرنسيين في موسكو، الخميس الماضي، معتبراً الزيارة الفرنسية "قراراً جريئاً". وذهب ناريشكين إلى حد مهاجمة فابيوس، معتبراً انتقاداته للزيارة "تدخلاً سافراً في حرية البرلمانيين".

واعتبر بعض المراقبين أن هذه الزيارة المثيرة للجدل، تندرج في إطار خطة مدروسة لـ"حزب الجمهوريين"، هدفها إضعاف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والتشويش على السياسة الخارجية للحكومة الفرنسية. وهذا بالضبط ما يقوم به زعيم الحزب والرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي ضاعف من زياراته إلى الخارج في الأخيرة، إذ زار إسرائيل والمغرب وتونس، وانتقد بشدة خلال هذه الزيارات، التي تم فيها استقباله كرئيس دولة، السياسة الخارجية الفرنسية.

اقرأ أيضاً: "تحرشات" ساركوزي في جولاته "الرئاسية" الخارجية

وكان لافتاً حرص ساركوزي خلال هذه الزيارات، التي رافقه فيها وفد من المقربين ووزراء سابقون، على التشهير بالمواقف الفرنسية من الأزمات الدولية، بشكل يعكس تحاملاً عنيفاً على غريمه هولاند أكثر مما يعكس اختلافاً جوهرياً في الملفات الخارجية. بل استغل ساركوزي هذه الزيارات، لزرع الفتنة بين الحكومة الفرنسية والدول الصديقة، وهذا ما عكسته التصريحات المستفزة للجزائر، الأسبوع الماضي، التي أطلقها من تونس وتمخضت عن غضب رسمي وشعبي عارمين في الجزائر.

وشارك في زيارة القرم، النائب اليميني المحسوب على التيار الوسطي، جاك مايار الذي سبق أن أحرج الدبلوماسية الفرنسية بزيارته إلى دمشق في يناير/ كانون الثاني الماضي برفقة البرلماني الاشتراكي، جيرار بات ونائبين يمينيين، هما فرانسوا زوكيتو وجان بيار فيال. وتم استقبالهم من طرف الرئيس بشار الأسد. وخلقت تلك الزيارة آنذاك جدلاً كبيراً في فرنسا، وخصوصاً أن البعض اعتبرها رسالة غير مباشرة من الحكومة الفرنسية ورغبة في فتح قناة حوار غير رسمية مع النظام السوري، وهو الأمر الذي نفته بشدة الخارجية الفرنسية.

والواقع، أن الحكومة الاشتراكية باتت في وضع دبلوماسي حرج مع توالي الزيارات البرلمانية إلى سورية تحت ذريعة ممارسة الدبلوماسية البرلمانية. وكانت آخرها زيارة النائب اليميني جان فريديريك بواسون إلى دمشق ومحادثاته مع الأسد في 12 يوليو/ تموز الحالي، التي تمت تغطيتها بشكل مبالغ فيه من وسائل الإعلام السورية بهدف تلميع صورة الأسد. وأغضب النائب اليميني الخارجية الفرنسية بتصريحه بأن "الحوار مع سورية والأسد ضروري من أجل السلام وحماية مسيحيي الشرق". وهي الفكرة التي تتناقض تماماً مع الموقف الرسمي الفرنسي الذي يقاطع النظام السوري ويعتبره عقبة في وجه أي حل سياسي للأزمة السورية، كما كرر ذلك أكثر من مرة الرئيس الفرنسي نفسه.

وكان رئيس مجلس النواب الاشتراكي، كلود بارتولون، قد بعث بخطاب إلى النواب وأعضاء مجلس الشيوخ ذكّرهم فيه بأن "البرلمانيين المنتخبين لهم الحق في إبداء أرائهم حول السياسة الخارجية، وأنه يحق لهم زيارة الدول التي يشاؤون من دون إذن من وزارة الخارجية"، غير أنه حذرهم من أن هذه الزيارات تشوّش على عمل الحكومة وتخدم مصالح الدول التي تستقبلهم والتي تستغل هذه الزيارات للدعاية الإيديولوجية".      

لكن تحذيرات رئيس مجلس النواب الفرنسي، لم تلق أي صدى إيجابي لدى المعارضة اليمينية التي تصرّ على استخدام ورقة الدبلوماسية البرلمانية لتصفية حسابات سياسية داخلية مع الحكومة الاشتراكية، تماماً مثلما كان يفعل البرلمانيون الاشتراكيون في عهد ساركوزي، ومثلما كان يفعل هولاند نفسه حين كان زعيماً للمعارضة، وانتقد علناً وبشدة التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا الذي خطط له ساركوزي.

المساهمون