يُحكى أنّ الدولة اللبنانية تعمل على ضبط أمن مناطقها وبؤر التوترات الداخلية. ويروى أيضاً أنّ الأجهزة الأمنية الرسمية باشرت، منذ شهر، تنفيذ خطط أمنية في الشمال والبقاع، لردع المخلّين بالأمن وإعادة الثقة بالدولة وبوجودها. دخلت أفواج من الجيش إلى بلدة عرسال الحدودية مع سورية، وانتشرت أخرى في شوارع الفقر والاشتباك الأهلي في طرابلس (شمال). كما فعـّلت القوى الأمنية حضورها في بلدات البقاع بحثاً عن مطلوبين ومشتبه فيهم. أعدّت الدولة ومؤسساتها، القضائية والأمنية، استنابات وجداول أسماء. نشرت حواجزها ودقّقت في هويات الناس. دهمت البعض، وتقصّت عن بعض آخر. أوقفت العشرات ولا تزال تبحث عن أكثر منهم.
لا رقمَ رسميٌّ بعد لمحصلة هذه الخطة الأمنية. تجمع مديرية قوى الأمن الداخلي أرقامها وجداولها تحضيراً لإعلان حصيلة "ضحايا" هذه الخطوة، من مجرمين وسارقين وتجّار ومسلّحين. لا يسع رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، المقدم جوزيف مسلّم، سوى القول إنّ "الخطة الأمنية ناجحة حتى الساعة باعتبار أنّ نسبة ارتكاب الجرائم انخفضت كثيراً، ونحن مستمرّون في ملاحقة المتّهمين وإلقاء القبض على المطلوبين".
يؤكد مسلّم لـ"العربي الجديد" أنّ المديرية بصدد إعداد خلاصة الخطة الأمنية، بالإضافة إلى "تحضير دراسة توضح بالأرقام مقارنة الجرائم بين الأشهر الأولى لعام 2013، بالأشهر الأولى من عام 2014". تلاحظ المديرية أن جرائم سرقات السيارات انخفضت، كذلك الخطف والقتل، وهو ما يظهر حتى الساعة في "الدارسة غير الرسمية بعد". بالنسبة إلى مسلّم ومعظم ضباط قوى الأمن الداخلي، نجحت الخطة الأمنية، "وتنفيذها مستمرّ لطمأنة اللبنانيين أولاً وتشجيع الحركة السياحية ثانياً".
يمكن رصد التوقيفات التي نفّذتها الأجهزة الأمنية طوال الأسابيع الأربعة الأخيرة في المناطق المذكورة. تحدّثت القوى الأمنية عن صدور 120 مذكرة توقيف بين الشمال والبقاع. ومن شأن إحصاء البيانات التي صدرت تباعاً عن هذه الأجهزة، يمكن الخلوص إلى توقيف ما يقارب 78 مطلوباً، القسم الأكبر منهم أحيل إلى التحقيقات العسكرية وأخلي سبيل عدد منهم بعد الإجراءات الأمنية.
يبدو هذا العدد ضئيلاً جداً نسبةً إلى حجم الانفلات الأمني، الذي سيطر على البلد طوال السنوات
الثماني الماضية. أكان في ما يخص عمليات الخطف وتجارة الأسلحة والممنوعات بقاعاً، أو على صعيد الاشتباكات والإخلال بالأمن شمالاً، ما يتيح القول إنّ الدولة اللبنانية حلّت الأزمة على قاعدة "لا يفنى الغنم ولا يموت الذئب"، إذ كانت عاجزة عن الإمساك بمفاصل الأمن واعتقال كل المرتكبين والمسؤولين عنهم، واقتصر عملها على توقيف أفراد وليس مجموعات.
يقول مسؤول أمني لـ"العربي الجديد" إنّ الهدف الرئيسي من هذه الخطط الأمنية لم يكن "إلا في وضع حدٍّ للتفلّت، وضبط الأوضاع". لم تبحث الدولة طوال هذه الفترة عن صدام مع الناس أو المسلّحين. أرادت فقط انسحاب المخلّين بالأمن من الشوارع، وهذا ما تمّ "بفعل الاتفاق السياسي بين القوى السياسية المعنية"، أي تحديداً حزب الله وتيار المستقبل. وانصبّ جهد الطرفين عموماً على بعث رسائل التهدئة الميدانية، أما فعلياً، فقد أعطي ملف الإرهاب الأولية.
وتؤكد المصادر الأمنية أنه "على هامش الانتشار الأمني وتوقيف العشرات، نفذت القوى الأمنية عملاً أمنياً دقيقاً في توقيف وتفكيك مجموعات إرهابية في الشمال والبقاع". أوقفت لبنانيين وسوريين ضالعين في تفجيرات وفي تهريب أسلحة، "وهذا كان الهمّ الأكبر للدولة". كل ذلك يراعي مصلحة كل من حزب الله وتيار المستقبل، باعتبار أن الأول عانى من الإرهاب وتفجيراته وعملياته الانتحارية، والثاني أحسّ بخطورة انزلاق الساحة "السنية" باتجاه "التكفير".
اتّحد حزب الله وتيار المستقبل على "الإرهاب"، بينما لم يصدر بعد تأكيد رسمي على تفكيك مجموعة "جهادية" واحدة. كل هذه العمليات الأمنية و"عراضاتها"، يمكن ترجمتها في مشهد واحد: مشاركة مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا، في اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية اللبنانية. قد تكون هذه المحصّلة الأبرز للخطة الأمنية التي تطبقها الدولة اللبنانية منذ مطلع أبريل/ نيسان الماضي: تشريع مشاركة حزب الله في القرار الأمني الرسمي في البلد. أما البحث عن زياد علوكي (قائد محور عسكري في باب التبانة في طرابلس) أو غيره من تجّار الخطف مقابل الفدية المالية في البقاع، فمعقّد وصعب، أو ربما متروك لخيارات أخرى. فمن يدري، قد ينفرط عقد هذا الاجتماع قريباً.