من المؤكد أن مجلة "الحياة الثقافية" تمثّل إحدى أبرز واجهات مجالات إبداعية كثيرة في تونس، غير أن التعامل معها يتراوح بين التخلّي والحرص المبالغ فيه على إصدارها، وهو ما انعكس على انتظام صدورها. مثلاً توقفت المجلة التي تنشرها وزارة الثقافة التونسية خلال الأشهر الأخيرة من تولّي محمد زين العابدين للوزارة، وكأن المجلة معنية بشكل مباشر بالتغييرات الحكومية.
منذ تصريحاتها الأول أعلنت وزيرة الثقافة الحالية شيراز العتيري، وهي تتسلّم منصبها، عن حرصها على إعادة إصدار المجلة مقدّمة هيئة جديدة لإدارتها، وأكثر من ذلك جرى طبع أعداد الأشهر التي لم تصدر خلالها. أوقف هذا الحماس انتشارُ فيروس كورونا فعادت "الحياة الثقافية" إلى الاحتجاب.
منذ أيام، جرى الإعلان عن إصدار ثلاثة أعداد دفعة واحدة (310 و311 و312)، آخرها عدد مخصّ للحوارات. يشير تقديم المجلة إلى أن "المحاورات الأدبية تكتسي أهمية بالغة للولوج إلى تفاصيل حياة الكاتب واكتشاف عوالمه الإبداعية واهتماماته الفكرية. فالأحاديث أو الحوارات تتيح لنا معلومات أكثر دقة من تلك التي تظهر في مؤلفات الكتّاب إذ أن المناوشات الفكرية التي تثيرها الأسئلة وتتضمنها الأجوبة غالباً ما تكشف لنا قرّاءً وباحثين عن الخفايا والهوامش في حياة الكاتب في الحوار الأدبي مما يجعل بعض ما خفي في أسلوبه ومرجعياته وطريقته في كتابة أثر ما متاحا أمام أكثر عدد ممكن من المهتمين".
كما جرى توضيح فكرة تخصيص العدد للحوارات الأدبية، فنقرأ: " تجمّعت ببريد المجلة على مدى الشهور الماضية عشرات الحوارات ارتأينا لأهمية البعض منها إصدارها في هذا العدد دفعة واحدة وذلك أولاً احتراماً لجهود أصحابها، وثانياً حتى لا يتقادم محتوى الأسئلة والأجوبة المضمّنة في هذه الحوارات وتصبح غير ملائمة إن تأخر صدورها أكثر، خاصة بعد احتجاب المجلة لصعوبات جمّة عمّقتها جائحة كورونا".
لكن من بين هذه الحوارات نجد ترجمتين؛ الأول حوار ألبرتو مانغويل نقله إلى العربية جمال الجلاصي، والثاني مع جاك رانسيير بترجمة سعيد بن الهاني. وأُجريت الحوارات الأخرى مع الكاتب الأردني هاشم غرايبة، والكاتبة المغربية زهرة رميج، ولكتّاب من تونس: كمال الرياحي، ومحمد عيسى المؤدب، ونبيل قديش.
أما العدد 311، فمن محتوياته دراسة بعنوان "المهمشون في تاريخ الأدب العربي" لـ أحمد الحمروني، و"ميشال فوكو وفلسفة الروحانية السياسية: الثورة الإيرانية نموذجاً" لـ زهير الذوادي، ويتناول فيصل اليعقوبي سؤال السلب والنفي في كتاب أم الزين بن شيخة المسكيني "الفن يخرج عن طوره"، إضافة إلى ورقة نقدية أنجزها جلال باباي حول تجربة الفنان محمد أكرم خوجة.
وفي العدد 310 قدّم فتحي بن معمر ورقة بعنوان "الرواية المنتمية: سؤال الفن وسطوة الأيديولوجيا"، وتناول أمين عثمان "الذكاء الاصطناعي في الرواية التفاعلية بين فتنة الحضور وواقع الغياب"، ويبحث مصطفى المدائني في كيفية إعادة كتابة تاريخ الوجود في "ثلاثية الأندلس" لعبد الواحد براهم، ويستقرئ في نفس السياق التاريخ الحديث في "الملامية" لمحمد الخالدي، فيما تناول البشير الجلجلي أبعاد المكان في رواية "شارع مارسيليا" لمحمد الباردي. وفي باب "نافذة على الأدب العالمي"، ترجم صلاح بن عياد مقالاً لهنري ميشونيك بعنوان "هو إيقاعكم الشخصي ما تسمعون وليس نوعاً من الجرس".