تتعدّد المصادر التاريخية التي تشير إلى تطوّر الزراعة في الأندلس، حيث جمع أكبر عدد من أنواع البذور الآتية من المشرق والمغرب العربييْن، إضافة لتلك التي عرفتها إسبانيا، وكذلك صمّمت أحدت تقنيات الري والسدود.
تمثّلت ذروة هذا التطور في بدء عملية البحث والتأليف في هذا المجال، حيث تخصّص به عدد من العلماء منذ القرن الحادي عشر الميلادي من أمثال ابن وافد، ومحمد بن إبراهيم بن بصال، وأحمد بن محمد بن حجاج، وأبي الخير الإشبيلي، والطغنري، والذين نظّروا للفلاحة باعتبارها مجتمعاً ونمط إنتاج ومعرفة.
"الحديقة الأندلسية" عنوان المعرض الذي افتتح في الخامس عشر من الشهر الماضي في "كلية الدراسات الإسلامية" في الدوحة، ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، وهو من تصميم "مؤسسة الثقافة الإسلامية" (فونسي) في مدريد.
تضمّ المعروضات نصوصاً وصوراً فوتوغرافية ورسومات توضيحية حول أنواع النباتات المختلفة لمعظم أنواع حدائق المدن الأندلسية، والتقنيات التي استخدمت في الري وتخزين المياه وتصريفها والنواعير والسواقي، ونماذج من الأدوات التراثية المتعلقة بالزراعة في شبه الجزيرة الإيبرية خلال القرون الوسطى.
يفصّل المعرض البذور التي أحضرها العرب معهم من بلدان الشرق وأفريقيا وأشكالها وكيفية توطينها، ومنها الرز والعصفر والقصب والزعفران والباذنجان والسبانخ وعرق السوس والموز والقرطم والتوت، وقسم كبير من الحمضيات كالنارنج والبرتقال المر والليمون الشعري، إضافة إلى أنواع لا تحصى من التوابل.
تلفت المصادر التاريخية المرفقة إلى أن أقدم حديقة داخلية أندلسية بقيت بشكلها الأصلي هي تلك المعروفة بـ"باحة البرتقال" في المسجد الجامع في مدينة قرطبة، والتي شرع في بنائها خلال القرن الثامن للميلاد، وتضمّ فسائل النخيل والبرتقال، أما "حديقة النافورات" الكائنة في حصن مالقة فأنشئت في القرن الذي يليه، كما اشتهرت حديقة قصر الجعفرية في سرقسطة التي تأسّست في القرن الحادي عشر.
ثم تنتقل الرسومات والوثائق إلى تناول فترة الموحدين بين القرنين الثاني والثالث عشر، حيث شهدت هندسة الحدائق نقلة نوعية في تصميماتها، وأصبحت تعتمد عدّة أنماط من البناء التي تشتمل على الأسوار والأفنية والنوافير والساحات وربط الطرق داخلها أو التي ترتبط بالقصر وقاعاته، وهي التي لا تزال حاضرة في العديد من الأبنية المعاصرة في أوروبا.
تربط أدبيات الحدائق الأندلسية بين التصوّرات العقائدية حول الفردوس وجنّة عدن كما ترد في القرآن، وبين محاكاتها على الواقع عبر اختيار موقع ريفي رعوي ينعم بالاستقرار والسلام، تجري وسطه الأنهار والجداول في محاولة لاسحضار رموز الجنائن الروحانية.
المعرض الذي طاف عدّة مدن عربية منذ عام 2007، يشكّل جزءاً من برنامج "التعاون الدولي من أجل" التنمية الذي أطلقته (فونسي) تحت إسم "ميد أو ميد.. المناظر الطبيعية الثقافية بالمتوسط والشرق الأوسط"، ويهدف إلى "الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي للمنطقة وتعزيزه، في احترام تام للهوية الثقافية للشعوب الإسلامية"، بحسب المنظّمين.