"الحبس المنزلي"... عندما تُسحَق الطفولة في القدس

10 مايو 2017
الحبس المنزلي عقاب للطفل وعائلته (Getty)
+ الخط -
عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة منتصف الليل، كان الطفل "عمر برقان" (15 عاماً) يغط في نوم عميق، قبل أن يوقظه كابوس من نومه، متجسداً بعناصر من الشرطة الإسرائيلية يقفون بأسلحتهم فوق رأسه، يتأكدون من وجوده داخل البيت، والتزامه بقرار الحبس المنزلي منذ عام ونصف.

ليست المرة الأولى التي يصحو فيها عمر لذات السبب، حيث تقتحم الشرطة الإسرائيلية المنزل بشكل شبه يومي، وفي أوقات مختلفة، فجراً أو ظهراً أو منتصف الليل.
وكانت محكمة إسرائيلية قد أصدرت قراراً بالحبس المنزلي بحق "عمر"، بتهمة إلقاء الحجارة على قوات إسرائيلية في القدس المحتلة، وذلك لحين إصدار حكم لقضائه داخل السجن.

يقول والد عمر لـ"العربي الجديد": "الظرف الذي نعيشه لم ينعكس على عمر فحسب، بل على العائلة جميعها، الوضع أصعب من أن يوصف، فحبس طفل لم يتجاوز الـ13 عاماً ونصف العام داخل أربعة جدران وحرمانه من اللعب خارج البيت أو الذهاب للمدرسة، أبعد ما يكون عن الإنسانية".

وحُرم عمر من سنة دراسية كاملة بسبب منعه من الخروج من المنزل، وسمح له أخيراً، بالذهاب للمدرسة بشرط وجود مرافق معه، والده أو والدته.

أما الفتى "عمر الطويل" (17 عاماً)، فيقضي بالحبس المنزلي منذ عامين، حرم خلالها من الذهاب للمدرسة، ما أضاع عليه سنة دراسية، قبل أن يسمح له قبل نحو شهر من الالتحاق بها، والعودة بعد انتهاء الدوام فوراً للمنزل التزاماً بالحبس المنزلي.

يقول عمر الطويل لـ"العربي الجديد": من المفترض أن أكون بالثانوية العامة، لكن تأخرت عاماً كاملاً بسبب الحبس المنزلي، وأنا الآن في الصف الأول الثانوي".

وعن أصعب الأمور التي يعيشها عمر داخل المنزل يقول: "أصعب شيء أن يكون أهلك جميعاً خارج المنزل، وأنت لا يسمح لك بالخروج، وإذا خرجت يتم اعتقالك".
من ناحيته، أشار محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين محمد محمود لوجود ما بين 15 إلى 20 طفلاً مقدسياً يقضون أحكاماً بالحبس المنزلي في القدس وضواحيها، تتراوح أعمارهم من 12 ونصف – 17 عاماً.

وقال محمود لـ"العربي الجديد": "الاحتلال يستهدف أطفال القدس بانتهاكات كثيرة، فيعتقل العديد منهم مع ساعات الفجر، ومنتصف الليل، ومنهم من يتعرض للضرب خلال الاعتقال، ويحرمون من وجود أحد من عائلتهم خلال التحقيق كونهم قاصرين، عدا عن أساليب الإرهاب النفسي والشتائم والصراخ والتهديد والضرب خلال التحقيق".

ويشير المحامي إلى أن الاحتلال يوجه لهم تهماً بالمشاركة بمواجهات وإلقاء الحجارة، ويصدر أحكاماً عالية ضدهم.
ويقول: "أخيراً، ونتيجة للآثار السلبية الناتجة عن الحبس المنزلي على الطفل وعائلته، أصبحت بعض العائلات تُجبر على الموافقة على الحكم على الطفل وقضاء المدة داخل السجن، فمدة الحبس المنزلي لا تحسب من فترة الحكم الذي يصدر بحق الطفل لاحقاً".
ويوضح المحامي: "الحبس المنزلي يقضيه الطفل لحين إصدار الحكم بحقه، ولا يسمح له بالخروج من المنزل لا إلى المدرسة أو حتى العلاج، فقط إلى المحكمة، وقد يكون الحكم لشهور قليلة، بينما الحبس المنزلي قدس يستمر لأكثر من سنة".

من ناحيته قال أمجد أبو عصب رئيس لجنة أهالي الأسرى بالقدس، إن الاحتلال يفرض تعهدات مالية هائلة على العائلة في حال خالف الطفل قرار الحبس المنزلي. وأضاف لـ"العربي الجديد": هذا العقاب للطفل وعائلته، تسبب بمشاكل غير متوقعة، فبعض الأطفال أصيبوا بالاكتئاب، والعصبية والعدوانية، ومنهم من فقد احترامه لعائلته، هناك من ضرب والده، وآخر كسر يد أمه".

وبحسب أبو عصب، فقد حاول بعض الأطفال الانتحار، نتيجة للوضع النفسي المعقد خلال الحبس المنزلي، مضيفاً: "الاحتلال يسعى لتدمير الجيل، وتفتيت النسيج الاجتماعي".


المساهمون