"الجيش والشعب يد واحدة" شعار غير دستوري

28 يونيو 2014

مصريون يحيون جنودا في شارع بالقاهرة (أكتوبر/2013/Getty)

+ الخط -

قد يبدو عنوان المقال غريباً، بل قد يستهجنه بعضهم أو يرفضونه. ولكن، علينا أن نتمهل وننظر إلى الأمر بشكل موضوعي ومتجرد. نعود إلى التعريفات الأكاديمية في محاولة للفهم. التعريف البسيط للدولة أنها تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية، إقليم من الأرض معروف الحدود بدقة، وشعب يقيم على هذه الأرض، ونظام سياسي يمثل السيادة التي هي للشعب، على أرضه وأجوائه ومياهه الإقليمية وموارده الطبيعية، وللدولة وظائف أساسية، في مقدمتها الدفاع عن مقومات الدولة التي هي الشعب والإقليم والموارد، وهو ما تعارفنا على أن ذلك يعني "الوطن"، وأهم أدوات الدفاع عن الوطن، وحماية مقوماته، القوات المسلحة، أي الجيش بالمفهوم العام. هذا بالإضافة إلى وظائف أخرى مهمة، مثل حفظ الأمن والنظام، وتحقيق العدالة، وتوفير الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والمرافق العامة.

وحتى يتيسر للدولة أداء دورها بكفاءة، تنشأ النظم السياسية، والتي تتعدد أشكالها، لكنها لا تخرج عن كونها مجموعة من السلطات، مصدرها الرئيسي هو الشعب، تبلورت في ثلاث سلطات: التشريعية التي يمثلها برلمان تمثيلي منتخب انتخاباً حراً مباشراً، يمثل الإرادة الشعبية، والبرلمان هو السلطة المنشئة لباقي السلطات، وهي السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة، أو الوزارة، ويمنحها السلطات المخولة لها، ويباشر أعمال الرقابة عليها، ومساءلتها، ويملك، أَيضاً حق إقالتها. والسلطة القضائية المسؤولة عن إقامة العدالة، ويمنحها استقلالها.

في هذا الإطار، أين يأتي مكان الجيش في النظام السياسي، أيا كان شكل هذا النظام وطبيعته، خصوصاً وأن الجيش كيان ذو طبيعة خاصة، فهو الكيان الوحيد في الدولة، المنظم عسكرياً، والمجهز بأحدث نظم التسليح لخوض الحروب؟ للإجابة عن هذا السؤال، وغيره من أسئلة مهمة متعلقة بالمؤسسات المنوط بها تأدية وظائف الدولة المختلفة، يجدر أن نشير إلى أن الاجتهاد البشري انتهى، بعد تجارب طويلة ومريرة، إلى ما عرف بـ"العقد الاجتماعي" الذي كان أفضل من بلوره المفكر الفرنسي، جان جاك روسو، صاحب الكتاب الشهير، بالاسم نفسه، والذي يعد أحد ملهمي الثورة الفرنسية التي انطلقت في ١٤ يوليو/تموز ١٧٨٩، والذي يضع ضوابط عامة للعلاقة بين الشعب، مصدر كل السلطات، وتلك السلطات، وهذه يتم تحديدها بدقة في وثيقة "الدستور"، والذي يكون المرجع الأساسي لكل القوانين الحاكمة لتنظيم عمل مؤسسات الدولة وعلاقاتها ببعضها.

عودة إلى موقع الجيش في هذا الإطار، نجد أن دساتير الدنيا، على اختلافها وبما فيها كل الدساتير المصرية ومنها دستور لجنة الخمسين عام ٢٠١٤، تنص صراحة على أن الجيش "القوات المسلحة" ملك للشعب، ومهمته الدفاع عن الوطن وحمايته، بالإضافة إلى النص، بوضوح وبشكل قاطع، على أن الدولة وحدها من تملك حق إنشاء القوات المسلحة "المادة ١٧٠ من دستور ٢٠١٤ ". وحرصت كل الدساتير، بما فيها المصرية، على أن البرلمان، باعتباره الممثل للإرادة الشعبية، هو صاحب الحق في إعلان حالة الحرب، أو إرسال الجيش إلى خارج البلاد، أي تكليف الجيش للقيام بمهامه.

 ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، تتعلق بالجوانب المهنية والاحترافية، فإن ما نقصده، بوضوح، أن الجيوش ملك للشعوب، تأتمر بأمرها لتحقيق أهدافها الوطنية العليا، المتمثلة في حماية الأوطان والدفاع عنها، وتحقيق أمنها، وليس لأي هدف، أو واجب آخر. من هنا، ليس الجيش، أي جيش، مؤسسةً أو كياناً مقابلاً للشعب، أو نداً له، يمكن أن يتفق معه فيصبح "الجيش والشعب يدا واحدة"، أو يختلف مع الشعب، فتنفصل يد الجيش عن يد الشعب، ولا تصبحان يداً واحدة! لكن الشعب هو من ينشئ الجيش الذي يأتمر بأمر الشعب، عبر برلمانه والسلطات التنفيذية التي يخولها حق تكليف الجيش بالمهام المحددة. اذاً، هل نستطيع القول إن مقولة "الجيش والشعب يد واحدة" تحمل مخالفة صريحة للدستور؟ بل تنتقل بالجيش من مكانته الرفيعة، باعتباره من يقوم بحماية الوطن، إلى معترك الحياة السياسية، فيسعى إلى حكم الوطن، بدلاً من حمايته، ويفقد تلك المكانة الرفيعة!

نحتاج إلى أن يكون شعارنا وهتافنا، في كل وقت، الجيش جزء أصيل من نسيج الشعب، وملك له، وشرفه العسكري يحتم عليه أن يحمي الوطن، ويدافع عنه، لا أن يحكمه.  

  

 

 

 

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.