"الجبهة الوطنية للتحرير": تغييرات في الشمال السوري

30 مايو 2018
يعيش 3 ملايين مواطن بالشمال السوري (نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -



اختلطت أوراق الصراع في شمال غربي سورية عقب الإعلان عن تشكيل عسكري جديد ضمّ فصائل فاعلة في المعارضة السورية، مقرّبة من الحكومة التركية. وبات شمال غربي سورية محصوراً بـ4 كيانات عسكرية لها أهداف وتوجهات مختلفة، بلغت حدّ مرحلة التنافر في منطقة جغرافية ضيقة، ومكتظة بالمدنيين. وهو ما قد يؤسس لمرحلة تصادم جديد، فيما يرى مراقبون أن التشكيل الجديد ربما يكون مقدمة لإنجاز مصالحة مع النظام تحسم مصير محافظة ادلب أبرز معقل للمعارضة في سورية.

في هذا السياق، أعلن 11 فصيلاً عسكرياً معارضاً شمالي سورية، يوم الإثنين الماضي، الاندماج في تشكيل واحد تحت اسم "الجبهة الوطنية للتحرير". وأشاروا في بيان إلى أن "المشروع جامع لكل المكونات الثورية، التي تؤمن بأهداف الثورة، والتمسك بثوابتها وتسعى لتحقيقها". وضمّ التشكيل فصائل فيلق الشام، وجيش إدلب الحر، والفرقة الساحلية الأولى، والجيش الثاني، والفرقة الساحلية الثانية، وجيش النخبة، والفرقة الأولى مشاة، وجيش النصر، وشهداء الإسلام (داريا)، ولواء الحرية، والفرقة 23.

ومن المتوقع أن تشكل هذه الفصائل شرطة محلية لحفظ الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد برود جبهات القتال مع قوات النظام، وهيئة تحرير الشام. وتنتشر الفصائل التي انضوت في التشكيل الجديد في ريف إدلب، وريف حماة الشمالي ومناطق في ريف اللاذقية الشمالي. وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن "الجانب التركي يقف خلف هذا التشكيل الجديد، خصوصاً أنه يعتمد على فصائل تدعمها أنقرة بشكل مباشر، وعلى رأسها فيلق الشام". وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن "التشكيل الجديد مقدمة لإنجاز مصالحات مع النظام، خصوصاً أنه استثنى الضباط المنشقين من الرتب العالية، وأبعد الاختصاصيين عن الواجهة".

ويترأس التشكيل الجديد العقيد فضل الله الحجي وهو رئيس الأركان في الحكومة السورية المؤقتة المرتبطة بالائتلاف الوطني السوري، إضافة إلى كونه قائداً لفصيل فيلق الشام. واختير المقدم صهيب ليوش قائد جيش إدلب الحر نائباً لقائد التشكيل، فيما اختير الرائد محمد المنصور قائد جيش النصر، رئيساً لأركان التشكيل.

من جانبه، أشار المحلل العسكري العقيد الطيار مصطفى البكور إلى أن "التشكيل بداية جيدة"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس واضح المعالم من حيث العقيدة القتالية. فإذا كانت العقيدة القتالية له قتال غير قوات النظام، فإن هذا الأمر لن يكون مقبولاً لدى الكثير من السوريين". وأشار إلى أن "سلوك طريق المصالحات، والمشاركة في السلطة مع النظام يعتبر إنهاء للثورة بيد أبنائها"، مضيفاً أن "أي تخلّ عن هدف إسقاط النظام، وإحالة المجرمين إلى المحاكم الثورية أو الدولية، وإعادة المهجرين لن يكون مقبولاً من السوريين بشكل عام".

وجاء التشكيل الجديد بعد نشر كامل النقاط العسكرية التركية والروسية، في الشمال السوري، من أجل مراقبة منطقة خفض التوتر الرابعة التي ضمّت مناطق انتشار الفصائل المنضوية في هذا التشكيل. ويبدو التشكيل وكأنه يسعى إلى تغيير خريطة السيطرة في شمال غربي سورية. وفي هذا الإطار، بات شمال وشمال غربي سورية موزعا بين هيئات وجبهات مختلفة في التوجه والهدف، أبرزها التشكيل الجديد الذي ضمّ فصائل فاعلة في المشهد السوري، ومنها فيلق الشام أبرز الفصائل المرتبطة مع الجانب التركي، إضافة إلى جيش النصر الفاعل في ريف حماة الشمالي، وجيش إدلب الحر وهو فصيل بارز في ريف إدلب شمال غربي سورية، مع الفرقة 23.



وإلى جانب هذا التشكيل هناك "جبهة تحرير سورية" التي أعلن عن تشكيلها في فبراير/شباط الماضي في ريف إدلب، وضمّت حركتي "أحرار الشام"، و"نور الدين زنكي" وهما من أبرز فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية. وأوضحت "جبهة تحرير سورية" أهدافها في بيان التأسيس والقائمة على صدّ هجمات قوات نظام بشار الأسد والمليشيات الطائفية المساندة لها، مؤكدة أنها "تسعى لأن تكون جسماً عسكرياً جامعاً ومدافعاً عن الثورة السورية".

وفي مقابل هذين الجسمين المنتمين للمعارضة السورية هناك هيئة "تحرير الشام" (تشكّل جبهة النصرة ثقلها الرئيسي)، ولكنها باتت اليوم في موقف ضعيف إثر معارك خاضتها أخيراً مع "جبهة تحرير سورية" خسرت خلالها الكثير من مناطقها في ريف إدلب، ولكنها ما زالت مسيطرة على مدن وبلدات مهمة، خصوصاً مدينة إدلب مركز المحافظة. كما أن هناك تململاً واستياءً من الشارع السوري المعارض تجاه الهيئة نتيجة سياساتها المتشددة وعدم تبينها أهداف ومبادئ الثورة السورية، وتمسكها بخطاب متطرف رفضه هذا الشارع واعتبره ذريعة للروس والإيرانيين لمهاجمة شمال غربي سورية المليء بنحو 3 ملايين مدني.

وكانت سرت أنباء أخيراً عن محاولات تركية لإقناع قادة هيئة تحرير الشام حلّ الهيئة والاندماج بفصيل فيلق الشام، إلا أنه لم تؤكد أي مصادر رسمية هذه الأنباء. وإلى جانب الهيئة هناك تنظيم غير بعيد بالتوجه يُدعى "حراس الدين"، ويضم بقايا فصيل "جند الأقصى"، وتنظيمات جهادية تابعة لتنظيم "القاعدة" ومنشقة عن هيئة تحرير الشام.

وأوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب العاصي، أن "حراس الدين يضم ما يُسمّى بجيش الملاحم، وهي مجموعة تتبع لقيادة تنظيم القاعدة، وكانت ضمن هيئة تحرير الشام وانشقت عنها قبل أشهر". ولفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "التنظيم يضمّ أيضاً جيش البادية، وهو مجموعة أيضاً كانت ضمن هيئة تحرير الشام ضمن ما يعرف بقاطع البادية، وهي تتبع تنظيم القاعدة مباشرة، إضافة إلى جيش الساحل". وأوضح أنه "مجموعة من المقاتلين في جبهات الساحل السوري أعدادها بالعشرات ليس أكثر وولاؤها بالأصل لتنظيم القاعدة، ولم تكن ضمن هيئة تحرير الشام إنما تنسق معها سابقاً". كما ضمّ التنظيم "سرايا كابل"، و"جند الشريعة". وقدّر العاصي عدد مقاتلي هذا التنظيم بـ 700 عنصر، مضيفاً أن "انتشارهم يمكن تصوره على خريطة النفوذ في الشمال السوري على شكل قوس يمتد من محيط مدينة سراقب مروراً بسرمين ومدينة إدلب وريف جسر الشغور وصولاً إلى جبهات الساحل السوري".

وفي ظل وجود هذه التشكيلات الأربعة في شمال غربي سورية، باتت المنطقة مهيئة لصدام عسكري من أجل حسم مصير أبرز معاقل المعارضة السورية، خصوصاً أنه بدأت تطفو على السطح تفاهمات من شأنها تمهيد الطريق أمام حل سياسي ينهي الصراع بين المعارضة والنظام ويرسخ مناطق النفوذ للمتنافسين على الجغرافية السورية.