"التعبئة الحربية" في الإعلام العراقي: استعادة لخطاب الحروب

16 يونيو 2014
لاجئون عراقيون "بين روايتين" (Getty
+ الخط -

"التعبئة الحربية" ليست جديدة على قاموس الإعلام العراقي، وقد تعوّد أبناء بلاد الرافدين، منذ عقود طويلة، على هذا الشكل من الأداء الإعلامي، وتكرّس ذلك بشدة إبّان الحرب العراقية الايرانية (1980-1988). ومنذ ذلك التاريخ، والتعبئة الإعلامية العسكرية تشتغل على قدم وساق. واليوم تستعيد الفضائيات العراقية، في جبهتي الموالاة والرفض، أسطوانة التعبئة التحريضية لحث جمهورها على الثبات والانتصار.

وجاءت تعليمات مرجعية النجف، بخصوص دعوة أتباعها إلى التطوع ومقاتلة الجماعات المسلحة، لتصب مزيدا من الزيت على نيران التعبئة الاعلامية، حيث اظهرت معظم القنوات"الشيعية" حماسة كبيرة للتعليمات. وفيما حاولت بعض القنوات تصوير الامر على انه فتوى شرعية صريحة لـ"الجهاد"، وهي لا ترقى إلى ذلك، قامت قنوات (المسار، الفرات، الغدير، آفاق، العهد، اتجاه) وغيرها، بإظهار آلاف المتطوعين الشيعة، وهم ينخرطون في مراكز التطوع، وظهر ضيوف بعض تلك الفضائيات والمشرفون عليها بملابس عسكرية، في اشارة الى تلبية نداء مرجعية النجف.

معادل بصري لـ"سياسيين دواعش"

ويمكن تصنيف أداء وسائل الإعلام المختلفة، حيال المتغيرات الاخيرة في المشهد العراقي، الى جهتين أساسيتين، الأولى وتشمل "شبكة الإعلام العراقي" المموّلة من المال العام، ووسائل الإعلام الموالية للجماعات والأحزاب الشيعية المختلفة. في مقابل جبهة أخرى تابعة أو ممولة من جماعات سنّية وعربية.
شبكة الإعلام، وخصوصاً في جزئها الاهم المتمثل في قناة "العراقية" الفضائية، تتبنى وجهة النظر الحكومية المفسّرة لما حدث بعنصر"المؤامرة". وليس سرّاً القول ان قناة "العراقية" منحازة إلى رئيس الوزراء بشكل كامل في قضية الموصل وفي غيرها، وانحيازها دفع رئيس مجلس النواب، اسامة النجيفي، في مارس/آذار الماضي، إلى منعها من تغطية جلسات مجلس النواب. وذهبت "العراقية" بعيدا في انحيازها إلى الحكومة، حين اقدمت على تقديم خلفية صورية لكلام رئيس الوزراء، نوري المالكي، أثناء زيارته قضاء سامراء، تحدث فيه عن "سياسيين دواعش". وعند هذا المقطع، تظهر القناة صورة يظهر فيها محافظ الموصل، اثيل النجيفي، جنبا الى جنب مع مقاتلين من"داعش". تريد القناة بذلك القول إن النجيفي"سياسي داعشي"، كما قال رئيس الوزراء.

ضحايا وتسميات

اما على الجهة الثانية، فإن قناة "الرافدين"، التي تبث من مصر والمقربة من "هيئة علماء المسلمين" بزعامة الشيخ حارث الضاري، المطارد من قبل الحكومة، تدافع بقوة عما حصل وتهاجم المالكي، وتعتبر ما يحدث في الموصل وغيرها "ثورة شعبية عراقية شاملة"، وتتجنب الحديث عن "داعش" والتنظيمات المسلحة الاخرى، وفي الوقت الذي تظهر قناة "العراقية"، في تعبئتها العسكرية، صور التفجيرات، التي قامت بها الجماعات المسلحة وتنظيم "القاعدة" ضد الاهداف المدنية، تعرض"الرافدين" بشكل منتظم لجمهورها صور ضحايا "ميليشيات الحكومة" كما تعبر عنهم.
والقصة نفسها تنطبق على قناة "التغيير"،، المملوكة لرجل اعمال عراقي وتبث برامجها من العاصمة الاردنية عمان، اذ تسعى إلى ترويج مفهوم" الثورة" لما يحدث في الموصل، وما تسميه "المحافظات الست المنتفضة".
قناة"البغدادية"، المملوكة لرجل الأعمال الشيعي، عون الخشلوك، اختلفت مع الحكومة فاضطرت إلى بث برامجها من القاهرة، وهذه القناة تمثل الاستثناء الوحيد في القنوات، اذ انها تدعم تعليمات المرجعية، ومثلما تهاجم بقوة شخص رئيس الوزراء، نوري المالكي، وتنتقد سياساته، التي تعتبرها خاطئة، غير انها تهاجم وبالدرجة نفسها ما يحدث في الموصل، وتتهم الجماعات المسلحة، التي سيطرت على المدينة بالارهاب والسعي إلى تقويض أركان البلاد وتفتيتها.

وللصحف الورقية نصيب كبير في قضية الموصل ومتتالياتها. ففي وقت دعا فيه رئيس "شبكة الاعلام العراقي"، محمد الشبوط، في مقال افتتاحي في "صحيفة الصباح"، التابعة للشبكة، الى اعلان حالة الطوارئ، هاجم رئيس مجلس إدارة "مؤسسة المدى"، فخري كريم، في افتتاحية في صحيفة "المدى" رئيس الوزراء، نوري المالكي، ودعا "التحالف الوطني" الى "نزع الشرعية عنه، وتقديم المالكي وفريقه العسكري الى محاكمة عسكرية فورية"، رافضا منحه الموافقة على اعلان حالة الطوارئ.

 

المساهمون