وبعد مرور أشهر عدة على الحرب الإسرائيلية على غزة راح ضحيتها نحو 2200 فلسطيني بينهم 519 طفلا على الأقل، والتي ألقى خلالها "أبوبلال" خطبة وصفت بأنها "حملت عناوين سياسية" تندد بمذابح الاحتلال، وتصاعدت في حينها مطالب سياسية بإغلاق المسجد، جاء قرار النيابة العامة الألمانية بفتح قضية ضده هذه الأيام.
ووجهت النيابة الألمانية إلى إمام المسجد الدنماركي تهمة التحريض على "قتل اليهود"، بناء على تحرك من شخصيات يهودية، وذلك بعد محاولات مماثلة للجالية اليهودية في الدنمارك لتحريك دعوى قضائية بذات التهمة ضده، غير أن النيابة الدنماركية لم تحركها بعد.
الجالية اليهودية
وجاءت الدعوى القضائية التي رفعت في ألمانيا، بعد حملة بدأتها الجاليات اليهودية في كل من
الدنمارك والنرويج، لإثارة مسألة "الحاجة إلى الحماية الجدية من قبل السلطات"، حيث تذهب الدعوات إلى الحماية، مع إشارات سياسية وإعلامية تعتبر المسلمين هم التهديد لتلك الجاليات، محاولين تحميل الجاليات المسلمة مسؤولية التهديد والكراهية.
وذلك بعد ضغوط ومحاولات مستمرة للجالية بدأت "منذ الأيام الأولى للحرب، في محاولة للتأثير على الرأي العام الدنماركي تجاه الاحتلال، والذي فقد بفعل القتل والقصف تعاطفا كبيرا"، بحسب ما يقول ناشط فلسطيني، معقبا على الحملة على عبدالله إسماعيل المنحدر من أصل فلسطيني.
الدعاء على القتلة
وفي تعقيبه على القرار الألماني، استنكر الإمام هذه الحملة، قائلا: "حين كان القصف في أوجه، والمدنيون يتساقطون والعالم صامت، قلت ما قلت، داعيا الله أن يسلط قوته على القتلة من اليهود الصهاينة".
واعتبر أبوبلال الأمر: "محاولة لاستغلال رخيص لحادثة كوبنهاغن، ووصم كل نقد لدولة الاحتلال التي تقتل شعبنا معاداة للسامية وتحريضا على القتل". موضحا: "أنا لم أدع أحدا إلى قتل اليهود، وخلال خطبتي كانت أخبار استشهاد المدنيين وقصف المنازل تصل أولا بأول. ومن الطبيعي أن خطبتي تطرقت إلى الأمر، ودعوت الله أن ينتقم لهؤلاء المدنيين من القتلة. لكن يبدو أنهم يريدون إسكاتنا وترك الغضب يتفاعل عند الشباب وينفلت".
وبحسب تصريحات للنيابة في مدينة آرهوس الدنماركية، فإن الإجراءات القانونية بحق الشيخ عبدالله إسماعيل في الدنمارك، بشأن الدعوى المرفوعة من قبل الجالية اليهودية، لن تتم طالما أنه سيلاحق في ألمانيا.
وتبدو تلك الإجراءات، بحسب ما علم "العربي الجديد"، ستمر أولا بـ"التحقيق معه في
الدنمارك، بناء على طلب ألماني، قبل أن يبت في قضية مثوله أمام المحاكم الألمانية".
وبحسب خبراء قانونيين، فإن السلطات القضائية الألمانية تستند إلى مادة في القانون الألماني متعلقة بـ(التحريض ضد جماعة إثنية)، وهو بند لمنع تمجيد النازية بعد الحرب العالمية الثانية.
وإذا ما وجد الإمام عبدالله إسماعيل مذنبا، فإنه قد يحكم عليه لمدة تتراوح بين 3 أشهر و5 سنوات.
اعتداءات واتهامات
في صيف العام الماضي، وإبان الحرب على غزة، تعرضت مدرسة "كارولينا" اليهودية في كوبنهاغن، لكتابة عبارات بالدنماركية على جدرانها تقول "أيها الصهاينة الخنازير لن يكون لكم سلام إلا بالسلام في غزة".
وظل عدد من الساسة ووسائل الإعلام وأقطاب الجالية اليهودية مشغولين بتلك العبارة، إلى ما بعد تنفيذ هجوم كوبنهاغن في الرابع عشر من شهر فبراير/شباط الماضي.
لكن مسلمين يقولون لـ"العربي الجديد": "وما هي الإثباتات بأن المسلمين هم من كتبوا تلك العبارة؟ مساجدنا تتعرض بشكل شبه يومي لعبارات التهديد وشعارات وهجمات وحرق، وتنتشر رسائل التهديد العلنية من جنوب القارة إلى شمالها، فماذا يعني ألا يرى هؤلاء إمكانية أن يكون اليمين المتشدد هو من كتب تلك العبارة، كما يعلقون رؤوس خنازير على جدران مساجدنا؟".
وكان عدد من المساجد والمدارس الإسلامية في دول أوروبية قد تعرضت لاعتداءات متنوعة بعد هجمات شارلي إيبدو، وتعرضت مساجد السويد أيضا في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي لمحاولات حرق.
وبعيد هجوم كوبنهاغن، اشتكت مسلمات من تعرضهن لمضايقات جسدية ولفظية صمت عنها الإعلام بداية، ثم ما لبث أن تعاطى معها بعد أن انكشف تأسيس شباب من أصول مسلمة مجموعات دفاع ذاتي.
أزمة عميقة
وفي العادة، كانت السلطات الأمنية والاجتماعية تتواصل مع أئمة المساجد لتهدئة ما يثير الشباب، بينما ومنذ العام الماضي، بدأ بعض هؤلاء الأئمة يشعرون بأنهم متهمون بتحريض الشباب.
وحول الاتهامات التي توجه إلى الأئمة بالتحريض، يوضح أبوبلال لـ"العربي الجديد": "لسنا مسؤولين عن تصرفات كل إنسان ولد مسلما، مساجدنا ليست نوادي مغلقة، بل مفتوحة للمواطنين، يأتي إليها حتى دنماركيون وأوروبيون يريدون التعرف على أو تعلم العربية".
ويضيف: "نحن جزء من هذا المجتمع، أكثرنا كبر فيه، ودائما ما يسجلون ويتنصتون على أحاديثنا، ويعرفون أننا نتحدث بصراحة مع الشباب بأن يحترموا قوانين البلاد، لكن السؤال لهم (للإعلام والسياسيين): ماذا تفعلون أنتم من أجل هؤلاء الشباب المواطنين في مجتمعكم، لرفع الشعور بالغضب عنهم، وخصوصا حين يتم التمييز ضدهم؟ يأتينا بعض الشباب غير مدركين لماذا يظلون يوصفون بأجانب ولا يعاملون بالتساوي. وهذا أمر ليس بأيدينا، بل بيد الساسة ووسائل الإعلام لتكف عن تصنيفاتها".
ويخشى إمام مسجد غريمهوي من "أن تؤدي هذه الملاحقة القانونية إلى إفشال جهودنا مع الشباب المسلمين، من حيث إقناعهم بأن حرية التعبير مسموح بها في سقف احترام القوانين، ولكن وسائل الإعلام للأسف لا تهتم سوى بالإثارة في الدنمارك وعموم شمال أوروبا. ماذا يريدون من الشباب حين يرون مواقف سياسية متخاذلة تجاه عدد من القضايا، وعلى رأسها الاحتلال والقضايا المحلية؟".
وفي مجال آخر يعتبر القائمون على عدد من المساجد في حديث لـ"العربي الجديد": أنه "وعلى الرغم من الكشف عن أن الشاب الذي ارتكب هجوم كوبنهاغن لم يكن له علاقة بالمساجد، ما يزال البعض يريد إلصاق التهمة بنا كأئمة".
وتترافق الدعوى المرفوعة في ألمانيا بحق إمام مسجد غريمهوي مع اقتراحات دنماركية بإيجاد "إسلام دانماركي"، من خلال تدريس الأئمة في البلاد، والتعرف على "القيم والثقافة الدنماركية".
وعلى هذا يرد أحد الشباب المسلمين قائلا لـ"العربي الجديد": "هذا هروب سخيف من مواجهة حقيقة مجتمع التمييز، نحن شباب نتحدث اللغة أكثر من بعضهم، ونعرفها ونعرف ثقافة البلد أكثر من هؤلاء الذين يجلسون في مكاتبهم. هؤلاء الشباب (وهو يشير إلى مجموعة) خريجو معاهد وجامعات، وبعضهم بالكاد يعرف العربية، لكن اسألهم كم واحدا منهم حصل على وظيفة أو رد على طلبات التوظيف؟".