يعاود السياسيون العراقيون والمسؤولون بين فترة وأخرى الحديث عن "التجنيد الإلزامي" أو "خدمة العلم"، الذي يلقى قبولاً برلمانياً عبر أعضاء مجلس النواب، واستنكاراً من منظمات المجتمع المدني، التي تقول إنها "تسعى للتقليل من عسكرة المجتمع". وبرزت أولى الدعوات للبدء بمشروع التجنيد عبر دعوة صدرت عن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، النائب نايف الشمري، الأسبوع الماضي، الذي قال إن "اللجنة وضعت ضمن أولويات عملها بالمرحلة القادمة تشريع قانون الخدمة الإلزامية، مع مراعاة الجوانب الإنسانية فيما يخص الابن الوحيد أو المعيل للأسرة".
وتسعى الأحزاب المقربة من إيران، أبرزها "بدر" و"المجلس الأعلى"، إلى إقراره، إذ أن دعوة الشمري، سبقتها دعوة مماثلة طرحها أعضاء المجلس الأعلى، في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأشارت في بيان نشر حينها، إلى أن "التجنيد الإلزامي له أهمية في إعداد الشباب وتأهيلهم لمواجهة التحديات"، لافتة إلى أن "التجنيد يتوافق مع المرجعية الدينية (النجف)، وهو ضرورة لإبعاد المؤسسة العسكرية عن الولاءات والتجاذبات السياسية والطائفية والمناطقية وأي خلافات تتخلل العملية السياسية لتبقى مؤسسة الشعب والوطن، والمدافع الحقيقي عن سيادته وكرامته".
بدوره ذكر النائب علي البديري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التجنيد الإلزامي هو تطبيق عالمي، وخدمة العلم واجب، لكن تطبيقها في العراق لا بد أن يكون بضوابط، فبسبب عدم التوصل إلى اتفاق على هذه الضوابط في البرلمان خلال الدورات السابقة، لم يتم التصويت عليه وتمريره. مع العلم أن البرلمان الجديد يميل بغالبية أعضائه إلى تمرير القانون"، مشيراً إلى أن "تطبيق قانون خدمة العلم يُبعد المحسوبية في التعيين للسلك العسكري، بالتالي يتولد جيش بعيد عن الطائفية والقومية، فضلاً عن كون الخدمة العسكرية تزرع الروح الوطنية عند المواطن، بالإضافة إلى أنه يخدم نسبة كبيرة من المجتمع لم تحصل على شهادات دراسة، ويساعد بتخفيض نسبة البطالة بين صفوف الشباب".
ووافق النائب محمد الكربولي، على كلام البديري، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع التجنيد الإلزامي هو مشروع لبناء دولة لنبذ الطائفية، والعراق اليوم بحاجة إلى مغادرة الطائفية، وحين سيُطرح المشروع في البرلمان بشكل جدي، سيلقى دعماً واضحاً ويتم تمريره لما فيه من خدمة مهمة للصالح العام".
وبحسب بيان رسمي سابق لوزارة الدفاع، فإن قانون "التجنيد الإلزامي" في حال تمريره عبر البرلمان، سيشمل الفئات العمرية من سن 19 إلى 45 عاماً، كما سيعتمد على التحصيل الدراسي في مدة الخدمة، إذ أن خريجي الدراسة الابتدائية سيخدمون لمدة عام و4 أشهر، فيما سيخدم خريجو المرحلة الإعدادية لمدة عام واحد، وخريجو درجة البكالوريوس 9 أشهر فقط، وإن خريجي درجة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) سيعفون من الخدمة نهائياً.
في هذا الإطار، أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع تحسين الخفاجي، إلى أن "قانون التجنيد الإلزامي مهم، ولكن الوزارة ستحتاج إلى وقت لإعداد وإنشاء معسكرات خاصة، لاستيعاب الأعداد الجديدة، ولدينا القدرة والإمكانية لتدريب الشبان". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة كانت قد دفعت بالقانون إلى البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء خلال فترة وجود خالد العبيدي وزيراً للدفاع، إلا أن البلاد كانت تشهد حالة حرجة، وهي الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، مما أدى إلى تأجيل الملف. والخطة المقبلة للوزارة هي الاهتمام بهذا الموضوع".
من جانبه، ذكر عضو جمعية "النماء"، وهي واحدة من منظمات المجتمع المدني في العراق، أنور الدليمي، أن "العراق ليس بحاجة لمثل هذه القوانين، والأجدر بالبرلمان والحكومة العراقية الجديدة، التفكير بخطط لتعزيز السلام، وليس لحمل السلاح، حتى وإن كان لفترة قصيرة، فالسلاح في العراق لم يجلب للمجتمع غير الرعب والخوف والموت، والظرف الحالي لا يسمح بتطبيق مشروع التجنيد الإلزامي". واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العسكرية العراقية كافية لمعالجة المشكلات الأمنية، فالعراق يمر بأزمات مالية لا تساعد على الشروع بتطبيق القانون، فضلاً عن أن القانون يعزز من مفهوم عسكرة المجتمع".
إلى ذلك، رأى الخبير العسكري سرمد البياتي، أن "الخدمة الإلزامية في الجيش يحتاجها العراق، لسبب واحد وهو لصناعة جيل شبابي جديد، لا علاقة للمشروع بالوضع الأمني في البلاد، إذ أن أعداد جهاز الشرطة الاتحادية وحده يقترب من 560 ألف عنصر، فضلاً عن قوات وزارة الدفاع وغيرها، ويصل عديدها حالياً إلى مليون عنصر أمني". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أغلب العراقيين يؤيدون الخدمة الإلزامية، واذا أقرّ القانون في البرلمان، فسيكون وفق ضوابط معينة، ومدد تحدد خدمة الشباب في دورات من أجل تنشئتهم القويمة، وأن الخدمة العسكرية لا تندرج ضمن عسكرة المجتمع". وتابع، قائلاً إن "المقربين من رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي اعترضوا على الأمر، على اعتبار أن للعراق مليون عنصر أمني، ولا أعتقد أن الحكومة ستفكر بالموافقة على الخدمة الإلزامية كون المرحلة الجديدة، هي مرحلة إعمار وبناء، وليست مرحلة عسكرة".
مع العلم أن الجيش العراقي تأسس عام 1921، وأولى وحداته تأسست خلال الانتداب البريطاني للعراق، فشُكّل فوج "موسى الكاظم" واتخذت قيادة القوة المسلحة مقرها العام في بغداد. تبع ذلك تشكيل القوة الجوية العراقية عام 1931 ثم القوة البحرية عام 1937، ووصل تعداد الجيش إلى ذروته في بداية حقبة التسعينيات، ليبلغ عدد أفراده مليون فرد. وعُلّق العمل بقانون الخدمة الإلزامية عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، بعد حل الجيش بقرار من الحاكم المدني الأميركي آنذاك بول بريمر، بعد أن كان قانونها يعد من أعرق القوانين في تاريخ الدولة العراقية الحديثة، إذ تم تشريعه للمرة الأولى في منتصف عام 1935. وخلال الأعوام الماضية قدم نواب عراقيون مقترح قانون الخدمة الإلزامية للبرلمان لغرض المصادقة عليه وتفعليه، إلا أنه أُهمل بسبب الخلافات السياسية عليه، بالتزامن مع الحملات الالكترونية التي يتداولها الشبان لرفض الفكرة، كونها تندرج ضمن ما يُعرف بـ"عسكرة المجتمع"، بحسب رأيهم.