"التجمّع": أن تشتبك مع الاحتلال من مسافة صفر

23 سبتمبر 2016
+ الخط -

كالكثير من الشباب الفلسطيني في غزة، أن تكبر تحت مظلة أوسلو وخارجًا من انتفاضة شعبية، معزولاً بطريقةٍ شبه تامة عن الأراضي المحتلة وما يحدث فيها، كان النقاش حول الفلسطينيين في فلسطين الداخل  شائكًا ومتضاربًا.

ثم تكبر قليلًا، لتعرف أن ما سمعته لسنواتٍ طويلة ليس إلا تقاربًا مع رواية الاحتلال عن فلسطينيي الداخل المحتل، كان وهمًا كبيرًا يدور حول تلاشي أشكال النضال الفلسطيني هناك، وأن الهوية في تراجعٍ مستمر.

مع دخول الشبكات الاجتماعية، وبناء علاقات مع فلسطينيين فُرضت عليهم الجنسية "الإسرائيلية"، بعد نجاتهم من التطهير العرقي الذي نفذته العصابات الصهيونية تمهيدًا لقيام "إسرائيل"، وبعد تعرّفي على أصدقاء من "التجمع الوطني الديمقراطي"، بدأت الحوارات الشائكة بالنسبة لي تأخذ مجرًى جديدًا في اتجاه التأكيد على أننا لا نعرف كل ما يحدث هناك.

كل يوم يستعرض الاحتلال علينا قوته، سواء بالطائرات في سماء غزة، أو بمستوطنيه في الضفة الفلسطينية، أو كما حدث، خلال الأيام الأخيرة، في الأراضي المحتلة بحملته ضد أعضاء وقيادات "التجمع" بالاعتقال والاقتحام والمطاردة. ومع اختلاف الأدوات، يبقى الهدف واحدا، وهو استهداف كل ما هو فلسطيني أينما كان.

ظل الاحتلال يستشعر خطر وجود كيانات منظمة وأحزاب فلسطينية تنطق باسم الفلسطينيين  وتدافع عن حقوقهم، وتعمل على تعزيز هويتهم في الداخل؛ لذا لم يترك الإسرائيليون فرصة للنيل من هذه الأحزاب؛ بدءًا من قضية مؤسّس التجمع، عزمي بشارة، وملاحقته أمنيًا واضطراره للخروج إلى المنفى عام 2007، وتعمد الماكينة الإعلامية الصهيونية مهاجمته هو والحزب وتحميله "مسؤولية موجة التطرف في صفوف عرب إسرائيل منذ بداية موجة العنف الحالية"، على حد وصفهم.

ومرورًا بحظر الجناح الشمالي للحركة الإسلامية الذي يقوده رائد صلاح لاحقًا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي؛ كان في ذلك تمهيدًا لاستهداف لاحق طال قيادات "التجمع" في فبراير/شباط من العام الجاري وبحملة تحريض قادها نتنياهو مدعومًا من اليمين إلى اليسار.

في الأيام السابقة، عاد الاحتلال إلى فطرته التي لا تغادره، وشكّل عصاباتٍ من آلاف العناصر اقتحمت مقرّات ومنازل أعضاء وقيادات التجمع، في حملة اعتقال واسعة لم يسبق أن حدثت ووجهت لهم تهمًا مالية، الذي تابع آلية الاعتقالات، وكيف أن الاحتلال تعامل معها كعملية أمنية وبطابع عسكري، يعرف أن ما يحدث ليس له علاقة بتلك التهم، بل بالإضافة إلى استعراض القوة الأمنية للاحتلال؛ فهو يهدف إلى تفتيت الحزب وإقصائه من الحياة السياسية تمامًا.

يمكن الفهم من كل ذلك أن الاحتلال كقوة بطش استعمارية ما يزال لا يفهم كيف استطاع الفلسطينيون تشكيل قوى سياسية في وسط كيانهم، وبعد أن كانت إسرائيل ترغب في تحسين صورتها كـ"دولة" ديمقراطية تتيح المشاركة السياسية والتعددية، وبدلا من أن تستخدم الوجود الفلسطيني في الداخل أداة لذلك، وضعهم التجمّع والأحزاب العربية في مواجهة محرجة مع نظامهم المدّعى وأمام الجميع كنظام عنصري، وكان وسيلة للدفاع عن وجود وعروبة الفلسطينيين، وطريقًا لتعزيز هوية سكان البلاد الفلسطينيين أصحاب الحق فيها لا إلى تماهيها.

لذلك، فإن قضية التجمع اليوم، هي قضية كل فلسطيني. فكما يتهم الاحتلال بالإرهاب من يطعن جنديًا على الحاجز أو يرميه بحجرٍ أو يقنص برصاصة أو يقذف صاروخًا على ثكناته، فهو كذلك يتهم فلسطينيي الأراضي المحتلة بالتخريب ودعم الغضب الشعبي ضد وجوده. كما اتهمهم في الوقوف خلف أيام الغضب وإفشال مخطط  السلب والترحيل برافر في وقت سابق.



(فلسطين / غزّة)

المساهمون