"البِرْكَة... سوق انطفأ بريقها

27 ابريل 2017
+ الخط -
على غير العادة، بمحاذاة ساحة القصبة وفي قلب المدينة العتيقة، تبدو الحركة فاترة في سوق "البِركة" والمعروفة بأنها سوق بيع الذهب والمجوهرات في تونس، سوق تشهد مؤخراً عزوفاً نسبياً سببه ارتفاع أسعار الذهب، مما جعل شراءه مقترناً بالمناسبات عند التونسيين.

حاضر ذهبي بتاريخ "أسود"

أنشئت سوق البِرْكَة في العهد العثماني من قبل يوسف داي سنة 1612 وكانت سوقاً للنخاسة، وسميت كذلك نسبة لحركة برك الجمل لينزل عنه العبيد، لتتحول بعد إلغاء أحمد باشا باي الرق سنة 1846، إلى سوق لبيع المصوغات.

وأنت تتجول في أزقة البِركة ينعكس على ظلك إشعاع اللون الذهبي، وأينما حللت تجد واجهات المحال مليئة بالمصوغات بأنواعها وأشكالها. عشرات المحال المتتالية تتبنى نفس المشهد، يقف الباعة أمامها في انتظار الزبائن، وفيما يكتفي بعضهم بالانتظار والصمت يحاول بعضهم كسب الزبائن بتلك الجملة الشهيرة: "تفضل هل ستبيع أم ستشتري ذهباً؟".

ولكن هذه الطريقة في البيع والتسويق لا تجدي نفعاً غالباً، حسب إقرار الباعة، ولا تغري المارين بالسوق، ولا تأتي سوى بمن قرر بيع ما لديه من ذهب أو تحويله الى أشكال أخرى.

وضع أقرب الى الرتابة وأسعار باهظة

في السابق كان الناس يتداولون على شراء الذهب لادخاره، فيجدونه عند الحاجة، ولكن الأمر تغيّر بعد إنشاء البنوك وبات الذهب اسماً على مسمى، ومصوغاً للزينة والتفاخر.

باستثناء ذلك، فإن المشترين الآن لم يعودوا كسابق عهدهم مهتمين بوزن القطع التي يشترونها من ذهب، وارتفاع الأسعار فرض عليهم شراء قطع خفيفة للضرورة حيث يكون شكلها وثمنها مناسبين.

هناك، أجمع أغلب الباعة على أن سعر الذهب قد ارتفع بالفعل، مما جعل الإقبال عليه ضعيفا ومقترنا بمناسبات معينة.

مختار التليلي، عامل ببيع الحلي منذ عشر سنوات، قال إن الوضع قد بات أكثر تعقيدا من السنوات التالية، فالتجار لا يحققون الربح الفعلي مقارنة بالماضي،  بل وصل الأمر إلى الضرر بالتجار والزبائن على حدّ السواء.

وحسب تعبيره، ألف دينار كانت تأتي "بالخير والبركة" وتشتري مستلزمات العروس من ذهب، أما الآن فالأمر لم يعد ممكناً والمبلغ ذاته لم يعد صالحا وكافياً حتى لاقتناء الضروريات.

للضرورة أحكام

لكلّ حضارة تقاليدها، والتقاليد في تونس تقتضي اقتناء الذهب من قبل العروس في زواجها، وذلك لدلالاته الكثيرة، عدا عن كونه ضرورة وأساساً للارتباط، هكذا عبرت أميمة التي كانت رفقة خطيبها لاقتناء ما أمكن للزفاف، مضيفة أنها لم تقدم إلى البركة إلا بعد أن جمعت وخطيبها "تحويشة العمر" لاقتناء طقم الذهب المخصص للزواج.

خطيبها أكد أنه من الصعب في هذه الأيام جمع المبلغ الضروري لشراء الحلي بسهولة، وأن ارتفاع الأسعار بعد هذه الجولة ربما يدفعهما إلى شراء الذهب المقلّد.

 

57702CA5-2DFA-48DD-A27B-00DA99F250CA
سيرين الكافي

صحفية ومدونة تونسية. طالبة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار.تقول: "الحياة حقّ والموت حق، وبين حقّ وحقّ حقوق مغتصبة".