"البطة العرجاء" تترنح: أزمة ترامب بلغت ذروتها

16 أكتوبر 2019
يعتبر 42 % من الأميركيين أنه يجب عزل ترامب(Getty)
+ الخط -



الأخبار السيئة تلاحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب من كل حدب وصوب. "أوكرانيا غيت" أظهرت مدى قدرة البيروقراطية الفيدرالية على تحدي استخدام الرئيس نفوذه لمصالح انتخابية. استطلاعات الرأي تشير إلى تحول في المزاج العام الأميركي حيال رئاسته، فيما تراجع النفوذ الأميركي حول العالم سيطغى على واشنطن في المدى المنظور إن لم يطغَ على مجمل إرثه السياسي المضطرب. "البطة العرجاء" ترنحت باكراً وأزمة رئاسة ترامب بلغت ذروتها.

ما كاد ينتهي ترامب من فضيحة اتهامه بالتواطؤ مع روسيا في الانتخابات الرئاسية في العام 2016 حتى أدخل نفسه في فضيحة السعي للتواطؤ مع جارتها أوكرانيا، للتأثير على الانتخابات الرئاسية لعام 2020. طالب الرئيس الأميركي حكومة كييف بالتحقيق في قضية فساد منافسه الرئاسي المحتمل ونائب الرئيس السابق جو بايدن ونجله هانتر، لكنه لم يستطع إطلاق تحقيق أميركي في هذه القضية، على الرغم من حشده طاقات وزارتي الخارجية والعدل لخدمة أجندته السياسية.

مجلس النواب، ذو الأغلبية الديمقراطية، يُحقق بمجمل فضائحه المالية والسياسية. وتشير آخر الاستطلاعات لشبكة "سي بي أس" إلى أن 63 في المائة من الأميركيين يرغبون برؤية البيت الأبيض يتعاون مع تحقيق الكونغرس في قضية "أوكرانيا غيت"، ومن ضمنهم 88 في المائة من الديمقراطيين و16 في المائة من الجمهوريين و47 في المائة من المستقلين. كما يعتبر 42 في المائة من الأميركيين أنه يجب عزل الرئيس مقابل 38 في المائة ضد العزل، فيما يفضّل 20 في المائة انتظار نتائج التحقيق. التحول الكبير بين المستقلين قد يكون له نتائج حاسمة لترامب إذا لم يتدارك الأمر، لا سيما في الولايات المحورية، مثل ويسكونسن وأوهايو.

لكن الأرقام الإيجابية لترامب هي بطبيعة الحال بين الجمهوريين، حيث يرى 70 في المائة منهم أن على أعضاء الكونغرس الجمهوريين الدفاع عن الرئيس في قضية العزل. هذه الأرقام تشرح لماذا قرر فريق ترامب جعل هذه القضية محور الحملة الرئاسية بدل الهجرة، لا سيما أن حملته الرئاسية تمكنت من جمع 125 مليون دولار من التبرعات في الربع الثالث من هذا العام. وقد بلغ مجمل تبرعات حملة ترامب 300 مليون دولار في العام الحالي حتى الآن، أي ضعف ما جمعته حملة سلفه باراك أوباما في الفترة ذاتها من ولايته الرئاسية الأولى. هذه رسالة يجب أن يلتقطها الديمقراطيون ومفادها أن ترامب قادر على المواجهة، ولديه قاعدة شعبية مجندة لإبقائه في البيت الأبيض.


لكن خلاصة هذه التحقيقات لم تنته بعد، لا سيما في ظل خروج السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سونلاند عن صمته، مع إدلائه، هذا الأسبوع، بشهادة أمام مجلس النواب يتوقع أن يقول فيها إنه ربما كانت هناك مقايضة بين ضغط ترامب على كييف للتحقيق في قضية بايدن والمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، وهذا انتهاك للقانون الفيدرالي الأميركي إذا كان هناك أدلة حسية. هذا التصريح قد يفتح ثغرة في التحقيق، في وقت تزداد فيه التسريبات من وزارة الخارجية والمجتمع الاستخباراتي حول حقيقة ما حصل في "أوكرانيا غيت"، ولا يزال هناك الكثير من الأسرار التي ستنكشف خلال الأسابيع المقبلة، وعلى ضوئها قد يقرر الناخبون المستقلون إذا كان ترامب يستحق ولاية ثانية أم لا.

ترامب لوّح بمقاضاة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، لأنها فتحت التحقيق حول عزله، لكن بطبيعة الحال هناك حصانة قانونية للكونغرس حين يقوم بدور الرقابة. المعركة السياسية وصلت إلى ذروتها في واشنطن، وهناك قلق من السيناريو الأسوأ الذي يلوح في الأفق، وهو إحالة هذه المعركة إلى المحكمة العليا لحسمها، ما قد ينقل هذه الخلافات إلى أعلى سلطة قضائية في البلاد، كانت تاريخياً تبتعد عن الانقسامات الداخلية الأميركية. الأزمة الدستورية المحتملة قد تشل الحكومة الفيدرالية وتعمق الخلافات الحزبية، وتزيد وتيرة التشنج السياسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

المعركة الثانية هي جنائية وقضائية، وهي تأتي من المجتمع الاستخباري والجسم القضائي. مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أيه) اعتقل، الأسبوع الماضي، شريكين لمحامي ترامب الشخصي رودي جولياني، وهما ليف بارناس من أصل أوكراني وإيغور فرومان من أصل بيلاروسي، وهما يحاولان الهروب مع تذكرة طائرة ذهاب بلا عودة. بارناس مقرب من حملة ترامب، وتبرع لها بمبلغ 50 ألف دولار خلال الحملة الرئاسية في 2016، ما فتح أبواب عالم ترامب له ولشريكه فرومان، وهما الآن في صلب التحقيق المتعلق بـ"أوكرانيا غيت". التهم الموجهة إليهما هي انتهاك قانون التمويل الانتخابي، وبأن هناك شخصية روسية استخدمتهم لإيصال أموال عبر التبرع إلى مرشحين أميركيين. كما اتضح من التحقيقات أن بارناس كان يعمل مع مليونير أوكراني في قطاع الطاقة يواجه اتهامات بالرشوة من الادعاء الأميركي، وبأن لديه روابط مع مجموعات من الجريمة المنظمة الروسية. وخلال العام الماضي، تعاقد الرجلان مع جولياني كمستشار في شركتهم الأمنية، وبدأت حينها محاولات جولياني التواصل مع المسؤولين الأوكرانيين للحصول على معلومات عن قضية بايدن. كل المؤشرات تشير إلى أن جولياني يخضع لتحقيق من قبل "أف بي أيه"، لكن ترامب تناول الغداء مع محاميه الشخصي، يوم الأحد الماضي، في منتجع الغولف الذي يمتلكه في فيرجينيا في رسالة دعم لمن قد يكون أول ضحايا "أوكرانيا غيت".

على المستوى القضائي، وجهت السلطة الثالثة سبع ضربات قانونية منفصلة أخيراً للبيت الأبيض وحملة ترامب، لا سيما أن القضاء الأميركي لم يقف تاريخياً مع الرؤساء الذين يخضعون لتحقيقات فيدرالية. لعل أبرز هذه الضربات رفض القضاء الأميركي استئناف محامي ترامب، وبالتالي أمر الرئيس بالكشف عن سجله الضريبي الذي يكاد يكون حتى الآن سراً من أسرار الدولة. أمام فريق ترامب الآن طلب مراجعة القضية مرة أخرى أو الذهاب إلى المحكمة العليا. القاضي في محكمة واشنطن الفيدرالية جورج دانيالز حكم أيضاً، يوم الجمعة الماضي، بتجميد قرار إدارة ترامب منع طلبات الهجرة عن المهاجرين غير المرتاحين مادياً، كي لا يستفيدوا من الخدمات الاجتماعية. وأشار القاضي في حكمه إلى أن قرار إدارة ترامب "بغيض بالنسبة للحلم الأميركي". إدارة ترامب تلجأ إلى المحاكم لتحاول حماية نفسها من رقابة الكونغرس، لكن هذا الأمر حتى الآن فقط يؤجل ضرورة تعاونها مع السلطة التشريعية. والسؤال هو هل سيتمكن فريق ترامب من تأجيل هذا التعاون إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية؟

وفي السياسة الخارجية، كل مشاريع ترامب وصلت إلى طريق مسدود. لا اتفاق مع كوريا الشمالية، ولا اختراق في خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن". كما لم يتمكن حتى الآن من فرض اتفاق نووي على إيران ولا إنهاء رئاسة نيكولاس مادورو في فنزويلا، فيما يخوض معركة مع حزبه الجمهوري في الكونغرس حول الانسحاب من سورية، واضطر للتراجع أمام بكين في حربه التجارية كي لا يتأثر الاقتصاد الأميركي سلباً قبل الانتخابات الرئاسية. ملخص تطورات رئاسة ترامب لا يوحي بالتفاؤل له ولمصير حملته الرئاسية. لكن كل من يقلل من قدرات ترامب على مفاجأة الجميع قد يخسر رهانه كما حصل عام 2016. هناك ثغرة كبيرة في رئاسة ترامب، والتحدي أمام الديمقراطيين هو ملء الفراغ وتقديم مرشح أو مرشحة جدية، مع قدرة على تجييش القاعدة الليبرالية وطرح برنامج بديل لحكم البلاد.

المساهمون