من هنا يرى المراقبون أنه، وعلى الرغم من أن الحزب استطاع مع انتهاء أعمال مؤتمره لملمة صفوفه، عبر تكليف المندوبين، بأكثرية مطلقة، نائب رئيس الحزب، ألكسندر غاولاند (76 سنة) والقيادية الشابة الاقتصادية، أليس فايدل (38 سنة) ليقودا حملة الحزب إلى الانتخابات العامة، فإن حالة من عدم الاستقرار لا تزال تخيم على الحزب، سيكون لها تداعيات، كون زعيمته بيتري لن ترضى، أن يتم تجاوزها خلال التحضير للحملات. مع العلم أن بيتري كانت قد طرحت في خطتها دعم برنامج انتخابي حزبي، وليس دعم أشخاص بعينهم، وهذا ما كان محل رفض داخل الحزب، ناهيك عن تناقض التصريحات بين قيادييه والحديث عن صراع قائم بين الواقعية السياسية والمعارضة في التركيبة الحزبية. إلا أن عضو الحزب، أرمين لوب هامبيل نفى، في حديث صحافي ذلك. وأوضح أن هناك مجموعة واسعة من الآراء، لكن ليس هناك من أجنحة منظمة داخله. ولفت إلى أن حزبه يعتبر حديث النشأة، والسنوات الأولى على مقاعد المعارضة صعبة، وعلينا تعلم العمل البرلماني.
وعن أسباب رفض طرح بيتري، يقول المراقبون، إن الاستراتيجية الجديدة لزعيمة الحزب تقوم على تغيير توجهات الحزب السياسية، وتبني خطاب معتدل يسمح له المشاركة في السلطة في العام 2021 وعقد تحالفات مع أحزاب أخرى في المستقبل، وهو ما يعارضه المندوبون وغاولاند أيضاً، الذي اعتبر في تصريح إعلامي أن تبني خطاب معتدل سيؤدي إلى نفور وربما خسارة الكثير من الأعضاء، والمطلوب الآن أن يسمح للأعضاء بالتعبير عن وجهة نظرهم، عازياً رفض الخطة للم شمل الحزب ومنع المزيد من الشرخ. فيما جاء رد بيتري: "إن حزبها أخطأ، لأن عدم اعتماد استراتيجية كان سبباً في الكثير من الانقسامات داخل الحزب". وفي هذا الصدد، يرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية، أن تلك الأسباب قد تدفع زعيمة الحزب إلى الاستقالة، عدا عن كونها بدأت تتعاطى مع الأوضاع بنظرة مغايرة لحزبها، وقررت النأي بنفسها عن الأيديولوجيات العنصرية وتلك المعادية للسامية والقومية بشكل واضح. ويقول مطلعون على واقع الحزب أن بيتري ستؤدي دورها خلال الحملة الانتخابية الحزبية. ويرى هؤلاء أن ما أدلت به الأخيرة، في تصريحاتها الإعلامية، لجهة أنها ستنتظر حتى الخريف وتراقب آلية تطور الحزب، الذي ستستمر النقاشات داخله، خلال الأشهر المقبلة، يؤكد أن لا قرار نهائياً قد اتخذ بشأن مقترحاتها، علماً أن غاولاند أعلن صراحة أن الحزب بحاجة لبيتري خلال حملة الحزب الانتخابية. وكانت استطلاعات الرأي أظهرت تراجع المؤيدين للحزب على مستوى البلاد إلى 8 في المائة، بعد أن كانت وصلت مطلع العام الحالي إلى 15 في المائة.
ويلفت محللون إلى أن المخضرم ألكسندر غاولاند، أكثر شخصية مؤهلة ومستفيدة سياسياً من انسحاب بيتري عن رأس القائمة الانتخابية، إلا أن نقاط ضعفه تكمن في كبر سنه وعجزه عن إلهام الجماهير. كما أن هناك الكثير من المعارضين لتوجهاته داخل الحزب، وسيصعب عليه ضبطهم، في وقت بينت استطلاعات الرأي أن نحو 50 في المائة من الألمان يعتقدون أن قرار بيتري سيضعف الحزب، في حين يقول 17 في المائة إنه سيقوي الحزب، و33 في المائة لم يبدوا رأيهم في الموضوع. وفي المقابل، يرى محاضرون في العلوم السياسية أن البرنامج الانتخابي لحزب "البديل" جذاب للناخب الألماني، ويطرح استعادة الديمقراطية في ألمانيا وسحب الجنسية من المهاجرين من المجرمين وتنظيم استفتاءات شعبية بشأن إمكانية البقاء في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، على اعتبار أن المطلوب أن يكون للشعب الكلمة الأخيرة. كذا وضع حد أقصى للنظام الضريبي، ومكافحة الهجرة الجماعية ورفض جمع شمل أسر اللاجئين ومنع ارتداء الحجاب في الوظائف العامة والمؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى منع المآذن والحجاب وتعليم الدين الإسلامي في المدارس، وفرض الخطب باللغة الألمانية داخل المساجد، وأن ينتخب الشعب الرئيس وإعادة الخدمة العسكرية، وأن تكون عضوية أعضاء البرلمان والحكومة لمدة محدودة. وفي السياسة الخارجية، يطالب الحزب برفع العقوبات عن روسيا والعمل على تعميق التعاون معها، ورفض ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ورفض الاتفاقات التجارية، مثل اتفاق التبادل التجاري الحر بين كندا والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن اتفاق الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي وإغلاق الحدود وطرد أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين.
وعن انخفاض نسبة المؤيدين للحزب "البديل من أجل ألمانيا"، يقول الخبراء إن ذلك يعود إلى فقدان الحزب لموضوعه الرئيسي المتمثل بأزمة اللاجئين، بعد الاتفاق التركي الأوروبي للحد من تدفقهم إلى أوروبا وألمانيا، ناهيك عن إغلاق طريق البلقان وتعديل قانون اللجوء. كل تلك العوامل أثرت سلباً على "البديل"، بعد أن كان استفاد، خلال العامين الماضيين، من قرار المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، استقبال اللاجئين، ووصول مئات الآلاف منهم إلى البلاد، ما تسبب بحالة من الرفض لدى الرأي العام الألماني، وساهم في زيادة المؤيدين للحركات والأحزاب اليمينية الشعبوية، بعد أن عمدت إلى حشد الجمهور ورفع الشعارات التي تدعو لطرد اللاجئين والأجانب ومعاداة الإسلام. واكتمل المشهد بإعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي ترشيح زعيمه، مارتن شولتز، إلى منصب المستشار، ومنافسة مرشحة الحزب المسيحي الديمقراطي، المستشارة أنغيلا ميركل، التي أعلنت ترشحها رسمياً إلى ولاية رابعة.
في موازاة ذلك، تشير تقارير صحافية إلى أن الأحزاب السياسية تعد العدة لمواجهة "البديل من أجل ألمانيا" وتحجيمه، حتى أن الأمر وصل برئيس البرلمان الألماني، نوربرت لاميرت، ليعمل على مبادرة تقضي بتعديل النظام الداخلي للبرلمان، كي لا يسمح للسياسي المثير للجدل نائب رئيس "البديل"، ألكسندر غاولاند (76 سنة)، ومن المحتمل أن يكون أكبر الأعضاء المنتخبين سناً، بترؤس الجلسة الافتتاحية والدورة التشريعية الجديدة بعد كل انتخابات عامة وقبل انتخاب رئيس جديد للبرلمان بصفته رئيس السن. يشار إلى أن مدينة كولن شهدت يوم انطلاق أعمال المؤتمر تظاهرات حاشدة للمناهضين لليمين الشعبوي، شارك فيها الآلاف من أبناء المدينة، إذ طالبوا بالتنوع والتسامح وحاولوا منع المندوبين من الوصول إلى الفندق، إلا أن قوات الشرطة حالت دون ذلك.