"الانتحار الفرنسي" بعين عنصرية

31 أكتوبر 2014
(تصوير فريديريك سولاي)
+ الخط -

حطّم كتاب "الانتحار الفرنسي" للكاتب والصحافي الفرنسي اليهودي إريك زمور رقماً قياسياً في فرنسا من حيث مبيعات الكتب. فبعد أسبوعين من طرحه في الأسواق، تصدّر قائمة الكتب الأكثر رواجاً، وبيعت منه 5 آلاف نسخة في اليوم، حتى تجاوزت مبيعاته 340 ألف نسخة السبت الماضي.

ومن المتوقع، نظراً إلى زيادة إقبال المكتبات على شرائه، أن تتجاوز المبيعات نصف المليون في الأيام القليلة المقبلة، من دون احتساب مبيعات النسخة الإلكترونية التي تجاوزت هي الأخرى 100 ألف نسخة. وستحقق دار النشر المحظوظة "ألبان ميشال" أرباحاً استثنائيةً تتجاوز الـ 10 ملايين يورو، وهو رقم هائل لم يسبق لأي دار نشر فرنسية أن حققته في هذا الوقت الوجيز.

هذا النجاح الاستثنائي لـ"الانتحار الفرنسي" الذي أثار جدلاً ساخناً منذ صدوره، يتوازى مع الصعود المدوي لليمين المتطرف. فالكتاب خلطة شعبوية تنضح بالطروحات العنصرية والرجعية والعرقية التي تشكّل جوهر الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة.

وعلى طول 500 صفحة، يعيد الكاتب قراءة التاريخ الفرنسي الحديث منذ أربعين عاماً، ويعتبره انتحاراً بطيئاً على يد نخبة سياسية وثقافية خائنة. ويتباكى على "فرنسا" العظيمة التي ولّت إلى غير رجعة؛ تلك الإمبراطورية ذات العرق الأبيض، القوية والمتماسكة التي تحكمها نخبة قومية كاثوليكية وتنصهر فيها الأقليات برمشة عين، وبالقوة.

يلعب زمور على هذا الوتر مستعرضاً جملة من الأحداث والوقائع التاريخية التي يحللها من زاويته الخاصة، وغالباً ما يحرّفها، مثل ما فعل مع الماريشال بيتان الذي تحوّل في عينه من الرئيس الخائن الذي باع فرنسا للنظام النازي إلى زعيم قومي مدافع عن اليهود! ويتهم زمور الدولة الفرنسية بالعمل على تفكيك مفهوم العائلة وقتل "الأب" حين أصدرت قانوناً عام 1970 ينصّ على منح الأم حق رعاية الأطفال بمفردها. كما يتّهمها ببيع البلاد حين تخلّت عن عملة الفرنك وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي. أما الأعداء الذين يقفون وراء انحطاط الأمة الفرنسية فهم أنصار تحرر المرأة والمهاجرون والمثليون والفنانون.

نجاح "الانتحار الفرنسي" يعود أيضاً إلى مهارة زمور في استعمال الإعلام الظهور الاستفزازي المثير للجدل، لا سيما عبر التلفزيون الذي فتح له المجال واسعاً للتعبير عن أفكاره الشعبوية والعنصرية، خصوصاً ضد الإسلام والمهاجرين.

هكذا، بأسلوب سهل وبلاغة طنّانة، يخلط الكاتب، الذي ينحدر من عائلة يهودية جزائرية ذات أصول أمازيغية، الوقائع والحقائق في خدمة أفكاره العنصرية، ويدغدغ مشاعر الحنين، راكباً على موجة نجاح طروحات اليمين المتطرف، ليكون كتابه شهادة أخرى على انحطاط فرنسي يجعل من مؤلَّف بهذه الدرجة من السطحية والشوفينية الكتاب الأكثر مبيعاً. والمضحك المبكي أنه تجاوز بكثير مبيعات "حتى لا تتوه في الحي"، رواية باتريك موديانو الحائزة على جائزة نوبل للآداب هذا العام!

المساهمون