في عام 2019، أقيمت فعاليات تظاهرة بعنوان "سنة فرنسا-مصر" تحاول أن تمدّ جسور التعاون الثقافي بين البلدين، غير أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي ربّما لهيمنة الأبعاد الرسمية عليها. لم تكن هذه التظاهرة لتمرّ دون التقاطع مع أبرز ما يمكن أن يجمع مصر وفرنسا وهو علم المصريات الذي تعدّ الحملة النابوليونية حاضنته، ثم هيمن الفرنسيون على حقول التنقيب لعقود قبل أن يزاحمهم الإنكليز والألمان والأميركان.
كان هذا التاريخ محور مشروع كتاب أُعلن عنه ضمن تظاهرة "سنة فرنسا-مصر" لكنه لم ير النور إلا منذ أيام، حيث أنه اقتضى عودة موسّعة إلى الأرشيفات والوثائق الرسمية خصوصاً أن لكل مرحلة طريقة مختلفة في تعامل بعثات التنقيب، من زمن مفتوح كانت فيه الآثار تستخرج وتنقل مباشرة إلى باريس، وصولاً إلى التوصيات التي رسمتها الدولة المصرية لكل البعثات من خلال إجراءات طلب التنقيب ثم متابعة العمليات عن كثب.
أشرف على الكتاب الذي حمل عنوان "الأركيولوجيا الفرنسية في مصر"، كلّ من لوران كولون وميلاني كريسان، وهو إلى جانب التعداد الكرونولوجي للبعثات الفرنسية يشير إلى بعض القضايا والمحطّات الأساسية، من ذلك مقارنة الحضور البحثي الفرنسي في مصر مقابل بلدان أخرى لها رصيد أثري مثل العراق وسورية وتونس، وهو ما يقود إلى استنتاج بتواصل ما يُعرف بالهوس الفرنسي بالآثار الفرعونية.
يضيء الكتاب أيضاً التحوّلات التي عرفها علم المصريات خلال قرنين من تاريخه، وهذه التحوّلات تقوم بشكل أساسيّ على تغيّر الأدوات حيث جرى في العقود الأخيرة اعتماد التكنولوجيا الحديثة في التنقيب وهو ما غيّر الصورة التاريخية لهذا المجال بشكل حاسم.
يمكن أن نلاحظ أن كتاب "الأركيولوجيا الفرنسية في مصر" يتغاضى عن إشكالية أساسية في علاقة كل من مصر وفرنسا بالآثار الفرعونية، وهي قضية إعادة المتاحف الأوروبية الآثار إلى مواطنها الأصلية. يبدو هنا أن النزعة البروتوكولية قد غلبت على كلّ حسّ نقدي لدى القائمين على هذا الكتاب.