"الأحد الأسود" يضع النظام المصري بمواجهة الصحافيين

03 مايو 2016
مرّت علاقة السيسي والصحافيين بعدد من التحوﻻت (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
يرى مراقبون أن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، يدفع يوماً بعد آخر ثمناً متزايداً لقرار إسناد ملفات التعامل مع الشباب والتيارات المعارضة إلى جهاز اﻷمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، وتمكينه من التغول على الحريات العامة للمواطنين بدعوى تنفيذ القرارات القضائية الصادرة من النيابة في وقائع التحريض على التظاهر في 25 أبريل/ نيسان الماضي. وبعدما اقتحمت مباحث أمن الدولة مقر نقابة الصحافيين في وسط القاهرة للقبض على الصحافيين، عمرو بدر ومحمود السقا، اللذين صدر أمر ضبط وإحضارهما بحجة مشاركتهما في التحريض على التظاهرات، يجد السيسي نفسه في مواجهة مباشرة مع الصحافيين الذين كان يراهن على استمرار تبعية الغالبية العظمى منهم لنظامه، على الرغم من توتر العلاقة بين الطرفين على مدار فترة حكمه، ومطالبته المستمرة لهم بمزيد من الترويج المجاني له ولنظامه وسياساته.

وجاء رد فعل الصحافيين، الذين وصف بعضهم اقتحام النقابة بـ"الأحد الأسود"، عنيفاً، مطالبين بإقالة وزير الداخلية، مجدي عبدالغفار، بما في ذلك من قبل بعض الإعلاميين المعروفين بقربهم الاستثنائي من دائرة السيسي الشخصية على غرار رئيس مجلس إدارة مؤسسة اﻷخبار ياسر رزق، الذي حاول جاهداً مع الصحافيين التابعين لهذه الدائرة والمعروفين بمجموعة "شباب اﻹعلاميين" تخفيف حدة غضب الصحافيين وجعله مقتصراً على المطالبة بإقالة وزير الداخلية وليس أموراً أخرى تخص السيسي شخصياً كمطالبته اﻻعتذار مثلاً.



وما يشكل معضلة للسيسي أن مطالبته إقالة وزير الداخلية تأتي في لحظة شديدة الخصوصية بالنسبة للشرطة بصفة عامة وهذا الوزير بصفة خاصة، تتمثل في أن السيسي بدأ فعلاً يسند إلى جناح مهم في الشرطة، هو جهاز أمن الدولة، ملفات مهمة كان يوكلها سابقاً إلى دوائر منافسة وتحديداً المخابرات والرقابة الإدارية. كما أن تمكن عبدالغفار من وضع وتنفيذ خطة "وأد التظاهرات" التي كانت مقررة في 25 أبريل وإنقاذ النظام منها بدون اصطدام دموي مع المواطنين، أمر يجعل من الصعب على السيسي التضحية بوزير الداخلية بهذه السرعة.
ويرى مراقبون قريبون من دوائر صنع القرار في مصر حالياً أن السيسي أصبح مديناً لعبدالغفار والداخلية بقدرتها على منع أخطر تظاهرات شعبية كان من الممكن أن تسلبه ما تبقى من شعبية. وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن السيسي يحاول من أجل ذلك، إرضاء الشرطة حالياً. وقد ظهر هذا بوضوح في كلماته المشيدة دائماً بأداء الشرطة، خلال اﻷسبوعين الماضيين، سواء في اجتماعه التحضيري للتصدي للتظاهرات أو لدى حضوره افتتاح المقر الجديد لوزارة الداخلية.
ويؤكد مراقبون أن هذه المديونية تعود أيضاً إلى أن السيسي اكتشف أن الشرطة، وتحديداً جهازي اﻷمن الوطني واﻷمن العام، وأياً كانت مشاكل أدائها، فإنها تبقى اﻷقدر على التصدي للمعارضة الشعبية المتنامية، وهي اﻷقدر بحكم تكوينها المؤسسي وسلطاتها القانونية على السيطرة على القضاء أيضاً وجعل قراراته غطاء مناسباً لتصرفات النظام القمعية.
ويشدد مراقبون على أن "التصرفات الفردية" حسب وصف النظام، من داخل الشرطة لإحراج السيسي أو تصفية الحسابات مع دائرته المخابراتية-الرقابية، لم تعد سبباً كافياً ليعود السيسي إلى سابق عدم ثقته بالشرطة، نظراً لما أدركه من أن الشرطة هي الذراع المناسبة للبطش ومواجهة المعارضة دون الدخول في مواجهة مباشرة أو إقحام للجيش في هذه المعارك الصغيرة.


وتعليقاً على ذلك، لم يستبعد مصدر حكومي ذو خلفية أمنية أن يكون اقتحام الشرطة لنقابة الصحافيين بدافع إحراج السيسي، مضيفاً "لكن ما حدث حدث، ووزير الداخلية أصبح مسؤولاً، وعلى السيسي اﻻختيار بين التضحية بالوزير أو التضحية بما تبقى من شعبيته في أوساط الصحافيين".

ووفقاً للمصدر، فإن "السيسي في موقف صعب ﻷنه مدين لكلتا المؤسستين، اﻹعلام والشرطة، وهذا يفسر صمته إزاء صدامات سابقة بين نقابات مختلفة كالمحامين واﻷطباء مع الشرطة، ذلك ﻷنه لم يكن مديناً لهذه النقابات بشيء، أما الصحافيون فهم أحد أسباب استقرار سلطة النظام حتى اﻵن".
ومرّت علاقة السيسي والصحافيين بعدد من التحوﻻت. ففي البداية وأثناء توليه منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، كان حريصاً على تقريب الصحافيين منه واستخدم وسائل اﻹعلام للتأثير على المواطنين وحشدهم للمشاركة في 30 يونيو/ حزيران، تمهيداً للانقلاب في 3 يوليو/ تموز 2013 وتأليبهم على نظام حكم جماعة اﻹخوان المسلمين.
وبوصوله إلى السلطة الفعلية، قرّب السيسي إليه جميع رؤساء التحرير ورقى عدداً منهم لمناصب أعلى لضمان وﻻئهم، وأعاد تشكيل المجلس اﻷعلى للصحافة ليضم عدداً من المقربين منه أيضاً.
لكن بوصوله للرئاسة في منتصف 2014 أراد السيسي تحويل كل الصحف لتصبح نسخاً متشابهة وكأنها صحف قومية تابعة للدولة. وفي أكثر من موقع وخطاب انتقد ما وصفه عدم ترويج الإعلام للإنجازات، وأشاد بتجربة الصحافة في عهد الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، والتي كانت الصحف فيها مؤممة وتابعة للدولة بالكامل. كما وجه انتقادات لعدد من الإعلاميين لمجرد انتقادهم سياساته.
وإزاء ذلك تنوعت ردود فعل الصحافيين؛ ومنهم من بالغ في الإقبال على السلطة إظهاراً لوﻻئه للسيسي فأصبح متحدثاً شبه رسمي بلسان دائرة الرئيس أو دوائر أخرى بالنظام، ومنهم أيضاً من تحطمت آماله في الرجل وبدأ يناصب سياسات الرئيس العداء أو الانتقاد الرحيم، ومنهم من أصر على موقفه الرافض له.
وبلغت هذه اﻻختلافات ذروتها في تظاهرات جمعة "اﻷرض هي العرض"، في 15 أبريل/ نيسان الماضي، عندما كان بعض الصحافيين الناصريين واليساريين في مقدمة المتظاهرين رفضاً لنتائج اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية والتي أفضت إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للممكلة، بينما عارض آخرون فتح نقابة الصحافيين للمتظاهرين.
وتفرض أهمية الإعلام بالنسبة لنظام السيسي عليه واحداً من مسارين اثنين لحل اﻷزمة الحالية مع الشرطة. المسار اﻷول يتمثل في أن يميل السيسي إلى صفّ الصحافيين ويقيل وزير الداخلية ليكسب الصحافيين في صفه ويحيدهم في مواجهاته المستمرة مع الحقوق والحريات الشخصية والجماعية للمواطنين، ويتفرغ لحل مشاكل ستظهر بالتأكيد في أوساط الشرطة.
أما المسار الثاني فهو أن يحاول احتواء غضب الصحافيين ببيانات مهدئة أو بالإفراج السريع عن الصحافيين المعتقلين، واﻻستعانة في ذلك بكبار الصحافيين والإعلاميين المؤيدين له. لكن عليه في هذه الحالة أن يواجه غضباً لن يخمد ضده من الشباب الصحافيين والمعارضين له.
وتشير المؤشرات إلى أنه في جميع اﻷحوال سيخسر السيسي جزءاً آخر من شعبيته جراء هذه اﻷزمة، سواء من الجماعة الصحافية أو من داخل المؤسسة الشرطية، كما يلقي هذا على كاهله عبئاً جديداً في مواجهة تفاقم خصومة جديدة بين ذراعيه اﻹعلامية واﻷمنية.