عندما كانت الفنانة العبقرية ماري منيب تسأل الفنان الموهوب عادل خيري "إنتي جاية تشتغلي إيه" في المسرحية الرائعة "إلا خمسة" كنا "نموت" على أنفسنا من الضحك، وعندما كانت الفنانة الكبيرة تكرر العبارة الشهيرة كنا نضحك من القلب وبصوت عال، وكأننا نسمع الكلمة لأول مرة.
ويبدو أن هذه العبارة تنطبق هذه الأيام على وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، خالد حنفي، الذي لا أعرف بالضبط ما هي وظيفته في ظل الإخفاقات المتتالية التي حققتها وزارته، والفشل الذريع في وقف الارتفاعات المتواصلة للأسعار، أو الحد من حالة الانفلات التي تمر بها الأسواق، كما ترك المصريين نهباً لجشع جيش من التجار المرتزقة الجشعين، ونهباً كذلك لعمليات استيراد عشوائي ولمنتجات مضرة بالصحة العامة؟
وحسب الأعراف فإن للرجل ووزارته، التي يطلق عليها تاريخياً اسم "وزارة الغلابة"، وظائف كثيرة منها توفير السلع المدعمة للمواطنين، خاصة الاستراتيجية، مثل الزيوت والسكر والشاي والأرز والدقيق واللحوم والألبان والأدوية، وتلبية احتياجات 90 مليون مصري من السلع الغذائية والتموينية، وضبط حركة الأسواق عن طريق زيادة عرض السلع وتلبية الطلب المتزايد.
كما أن من مهام الرجل أيضا منع الممارسات الاحتكارية لبعض السلع من قبل مجموعة محدودة من المستوردين، وإحباط أية محاولات لسيطرة بعض التجار على الأسواق وتعطيشها وحصد الأرباح السريعة.
وفي دولة مثل مصر تتعاظم مهمة وزارة التموين في توفير السلع الرئيسية للمواطن الفقير، بمن فيهم موظفو الجهاز الإداري للدولة والعاملين بشركات القطاع العام، خاصة مع زيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه وتآكل القوة الشرائية للعملة المحلية.
وبدلاً من أن يركز الوزير في هذه المهام الجسام ومعالجة مشاكل المواطن المعيشية راح يتدخل في أعمال غيره ويبحث عن دور ليس مطالباً به من الأصل، وكأن الدنيا ناقصة لخبطة للمشهد الاقتصادي والمالي المصري.
آخر "افتكاسات" الوزير استدعاء قيادات شركات الصرافة مساء الأحد لبحث أزمة الدولار واضطرابات سوق الصرف تحت عنوان عريض هو "الاتفاق على تحديد سعر بيع وشراء يومي موحد للدولار، ومنع المضاربة عليه والعمل على استقرار سعره".
طيب، ما علاقة الوزير بإدارة السياسة النقدية وسوق الصرف وسعر الدولار، وهي شأن أصيل من وظائف البنك المركزي المصري؟ وما علاقة شركات الصرافة الخاضعة لرقابة البنك المركزي بوزارة التموين المسؤولة عن مراقبة المخابز والأسواق؟
وبغض النظر عن عدم فهم الوزير لوظيفته الأساسية، وعدم فهمه كذلك لآليات وكيفية تحديد أسعار العملات في سوق الصرف فإن الرجل ترك مهامه الرئيسية وهي مكافحة انفلات أسعار السلع ومواجهة المحتكرين، وراح يبحث كيفية ضبط سعر الدولار ظناً منه أنها كلها أسعار هو مسؤول عن ضبطها.
شخصياً لا أستغرب السلوك الغريب والمعيب للوزير، فالكل يحمل البنك المركزي مسؤولية أزمة الدولار، رغم أنني قلت مرات أن البنك المركزي ليس مسؤولا عن الأزمة، بل المسؤول الأول هو النظام والحكومة بالممارسات التي قاموا بها وأدت لتطفيش السياح والاستثمارات الأجنبية وتراجع الصادرات وايرادات قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج.
لو كنا في دولة تحكمها سياسات ونظم واضحة لقيل لهذا الوزير "قدم استقالتك على الفور" واذهب لبيتك، لأنه من المعروف عالمياً أن البنوك المركزية تتمتع باستقلالية كاملة في إدارة السياسة النقدية والرقابة على القطاع المصرفي وسوق الصرف وشركات الصرافة، كما أن الدستور والقانون لا يجيزان لأحد في السلطة التنفيذية "الحكومة" الاعتداء على هذا الحق الأصيل للبنك المركزي، ولا يجيزان عزل محافظ البنك المركزي إلا بقرار من رئيس الجمهورية ولأسباب موضوعية.
سوق الصرف المضطربة أصلا ليست في حاجة لمغامرات وزير التموين، ولا عنتريات وزير الاستثمار، ولا عبارات رئيس الوزراء الإنشائية المدغدغة للمشاعر، بل بحاجة لإعادة عجلة الإنتاج.
الغريب هنا أن وزارة التموين شعارها الرئيسي هو "أمن غذائي – عدالة"، وللأسف لم تحقق الوزارة لا الأمن الغذائي الذي ينشده المصريون، لأن مصر باتت أكبر مستورد للأغذية في العالم خاصة من القمح والذرة الصفراء، ولم تحقق كذلك العدل لأنها تظلم أكبر قطاع من المصريين حينما تتركهم نهباً للأسعار العالية تلسعهم كل لحظة.
اقرأ أيضا: وزارة التموين المصرية تتدخل لتحديد سعر موحد للدولار